قلنا سابقاً ونقولها الآن إنه في الاتجاه المعاكس تماماً في المسلك والمقصد والتوجه والانتماء العقدي، جاءت مذكرة أوكامبو الأولى وتلفيقاته الثانية، جاء كل ذلك في الاتجاه المعاكس لكل عطاء أعطاه هذا الرجل لأهله ولوطنه وشعبه، إذن هي افتراءات أقل ما توصف به أنها إمعان مع سبق الإصرار والترصد، لكن الصورة تبدو جليلة بجلائل الأعمال ممن يعرفون أن اتهامات أوكامبو لا تتناقض فقط مع أعمال الرجل المرئية في طول البلاد وعرضها. هذا كان هو مشهد الأمس، أي الفترة ما قبل الانتخابات، أما مشهد اليوم ففي حين كان تعبير أهل السودان جماعياً في تأييد المشير البشير بحسب نتائج الانتخابات العامة التي جرت في أبريل الماضي، جاءت المحكمة الجنائية بتهمة الإبادة الجماعية للبشير، وهي دلالة أوثق مما قبلها ذلك على أن المحكمة هي جهاز سياسي جاء وخُصص وصُممم ليتربص بقيادة الشعوب الحرة، بأكثر مما هي جهاز للعدالة يهدف إلى تسوية حقوق الانسان، وشتان ما بين موقف أهل السودان وموقف المحكمة الجنائية، فالمفارقة في حد ذاتها تشكل دليل إدانة جديد لأوكامبو، ذلك الذي لم يفق من الصفعة الأولى التي تلقاها من أهل دارفور أنفسهم حينما احتضنوا البشير وأعلنوا عن وقفتهم معه على الأشهاد، يجيء أوكامبو من جديد ليقول إنه وحده الذي يرى ويعلم ويحلل ويقدر. إذن هي جهاز سياسي وليست محكمة، وهي صفة ذميمة لمؤسسة لم يرتضِ الانضمام إليها من يدّعون قيادة العالم مثل أمريكا، تلك التي يقول تاريخها البعيد والقريب وعلى مدار الدورات الرئاسية لغالب حكامها، بأنهم كانوا قادة لأحداث القتل الجماعي في عدد من الدول. إذن هي محطة نقف فيها هذه المرة برؤية تختلف، فالموقف ليس في طلاقة أوكامبو وقدرته على التلفيق ولكنها في إطلاق يد مؤسسات تسمى دولية وهي مؤسسات تدار مثل إقطاعية خاصة لتنفيذ أجندة بائرة وخائرة ومردودة على صانعيها. ففي حين تقترب جهود السلام في دارفور من غاياتها، وذلك بعد أن تجاوز الأفق الدارفوري تلك المواقف لقادة الحركات المسلحة، إذ جاءت الإفادة هذه المرة من أهل دارفور الذين يقيمون في معسكرات النزوح تعبيراً عن رغبتهم في السلام، فلم تتمكن كل محاولات التلفيق التي نسجتها أيادي العبث في إطار خيوط المؤامرة في أن تثني البشير عن عزمه في قيادة السودان نحو مرافئ التقدم والرقي والأحداث من حولنا تنذر بالكثير، فحينما كانت نساء غزة وأطفالها يقيمون داخل الطوق الأمني الاسرائيلي مهددين في كل ساعة بالموت والدمار، هبت بعض شعوب العالم الحرة وتدافعت على متن سفينة الحرية تقدم الغذاء والدواء والكساء للمحاصرين في غزة، كانت أيادي العبث ضد الإنسانية تخيط بالخفاء أسلوباً جديداً للقرصنة، ولم تكن هذه المرة على غزة بل كانت على من يمضون في طريق الحرية دعماً للإنسانية على متن تلك السفينة وغيرها. إذن تلك هي اتجاهات السياسة الدولية تحيك مؤامرة جديدة ضد قيادة السودان وشعبه بعد أن تنفست كل أرجائه وعداً بعد الإسناد الشعبي الكبير للقيادة الواثقة، لكننا نقول ونكرر أنه نور أخذ على نفسه بعد مشيئة الله والتوكل عليه أن لا ينطفئ، ففي إطار الاسلام جاء المضي قدماً في السلام فهل ينجز وعد المتوكلين الواثقين أم ينجز ادعاء أوكامبو ومن لفّ لفّه؟