حسناً وخيراً وبركة أن وجهت رئاسة الجمهورية، كمؤسسة عليا في هذه البلاد في سلسلة هرم الحكم، الدعوة للتنادي الوطني والتلاقي حول قضية مهمة تشغل بال كل الوطن هي الاستفتاء القادم ومصير الوحدة. فإن كانت الانتخابات وبعد أن مارس فيها كلٌ حقه قد فرّقت بالأمس فيجب أن يقترب الجميع الآن ويتلاقوا في قضية مهمة ومصيرية ومفصلية هي الاستفتاء القادم. إذن علينا أن نتناسى الحالة الانتخابية السابقة في أيٍّ كانت الغلبة لمن وأيٍّ كان مجال الرضا أو عدم القبول وحتى الذين لم يمارسوا حقهم الانتخابي تحت أي ظرف من الظروف، إن كانوا مقاطعين أو غائبين أو كانت لهم أعذارهم المختلفة، فهم مدعوون جميعاً إلى شأن عظيم وأمر جلل يتطلب الوقفة الجامعة للتعبير الواحد عن غالب الإرادة السودانية، لنقول بملء الفم إن مستقبل السودان يرسمه أهل السودان بأنفسهم ذلك بتأكيد رغبتهم في أن يكون السودان آمناً ومستقراً وموحّداً. لقاء القوى السياسية يجب أن يدخل ضمن عملية محصلتها النهائية مطلوب منها أن تدفع بجرعة قوية لتعضيد جميع مساعي الوحدة ومن ثم بجرعة قوية أيضاً لمحاصرة قضايا السودان الأخرى ومناطق التوترات أو تلك التي لم تحسم فيها قضايا النزاع. فالحكومة في هذا التحرك هي قطعاً تجد الرضا والقبول، فتوسيع نطاق البحث السياسي والمشورة الوطنية ومحاصرة التوتر السياسي هو بلا شك يعد من قبيل التعاطي السياسي الراشد والملم والواعي الذي يرد الأمر للإجماع الوطني. فمثل هذه المواقف هي التي تمتّن وترسّخ الأداء السياسي لتجعله كله يصب نحو هدف واحد، فانتهى زمان التنافس الضيق. إذن القوى السياسية الآن تقدم على مرحلة جديدة تصنعها بنفسها لترسم فيها مسارات المستقبل، مرحلة تعبّر فيها الحكومة والمعارضة عن إرادة أمّة تريد أن تحيا تحت النور بقوة دافعة نحو الوحدة والسلام والاستقرار لا الانفصال والتشتت والتربُّص بالسودان. فمثل هذه اللقاءات الجامعة نريدها أن تكون قمة سياسية تعيدنا إلى الحد الأدنى من التوحُّد وصولاً إلى ما تريده الأمة السودانية من وحدة، وبالتالي فالبداية الصحيحة هي تبدأ بمثل هذه اللقاءات ولهذا فإذا كانت المدخلات سليمة فستكون بالضرورة المخرجات سليمة أيضاً، فالشعب ينادي يقول نحن هنا نكون معكم أولئك الذين تعبّرون عن إرادة الأمة ومطلوباتها، معكم عندما تتفقون في الطريق القويم السليم. فالشعب يقول نحن أمّة وربما نخسر أو خسرنا معركة هنا أو هناك طوال تاريخ مسيرة الحرب والسلام لكن الأمم الراسخة في التاريخ لا تخسر. إذن فطالما المستقبل هو صناعة بشرية نستطيع أن نكوّن نحن في المستقبل بالطريقة التي نريدها التي قطعاً لن تكون إلا عبر الوحدة والوفاق الجامع. ولكن نعود ونقول إنه في حين كان تعبير أهل السودان جماعياً في تأييد المشير البشير ،بحسب نتائج الانتخابات العامة التي جرت في أبريل الماضي، جاءت المحكمة الجنائية بتهمة الإبادة الجماعية وجاءت الصفاقة الأمريكية والنوايا التآمرية المبيّتة هنا من خلال دعوة أمريكا للحكومة التشادية بالقبض على البشير، وهذه الدعوة هي دلالة أخرى أوثق مما قبلها بأن القضية ضد السودان جميعها سياسية تتخذ أشكالاً مختلفة ولكن الهدف واحد هو التربُّص بقيادات الشعوب الحرة، ولكن نقول هيهات وشتان مابين موقف أهل السودان الذي تمثله كل القوى السياسية وموقف المتآمرين من الدول التي تناصب السودان العداء وتتحيّن الفرص في ذلك فهذه المحكمة التي يتستَّر وراءها ويختبئ المتآمرون هي جهاز سياسي وليست محكمة صفة ذميمة لمؤسسة قامت بليل، مؤسسة لم يرتضِ الانضمام إليها من يدّعون الآن قيادة الشعوب ومن يتبجحون بمناصرتها مثل أمريكا تلك التي يشهد عليها تاريخها البعيد والقريب وعلى مدار الدورات الرئاسية لغالب حكامها أنهم قادة لأحداث القتل الجماعي في عدد من الدول. فأمريكا الآن تعكس رؤية مختلفة تجعل الكل لا يثق فيها في معادلات أي حل سياسي قادم، ماذا فعلت أمريكا في العراق هل قدمت للشعب العراقي الديمقراطية المنشودة والخبز والحياة؟ وهل حققت الأمن والعدالة السياسية هناك؟ كما أنها ماذا حققت في أفغانستان هل انتهت القضية؟ وماذا فعلت لسفن الحرية التي تحركت دعماً للإنسانية في اتجاه غزة فضُربت في البحار بأيادي العابثين ضد الإنسانية. إذن هي اتجاهات السياسة الدولية تحيك مؤامرة جديدة ضد قيادة السودان وشعبه بعد أن تنفست كل أرجائه وعداً بعد الإسناد الشعبي الكبير للقيادة الواثقة. وهاهي القوى السياسية تلتقي اليوم بالبشير وهنا رسالة أخرى للأمريكان ومن شايعهم تقول إن أهل السودان هم حزب واحد في وجه الشدائد وأنهم لا يقبلون التطاول على رمز السيادة. عليه تبقى الإشارة والرسالة واضحة هنا إلى توجُّه القوى السياسية واتفاقها حول دعوة رئيس الجمهورية والمشاركة في مؤتمر جامع للتشاور حول قضايا الوطن فهو دليل عافية سياسة وبادرة للتوحُّد حول قضايا الوطن.