{ واحدة من القصص الظريفة التي تُحكى عن السودانيين وعن أنهم كيف لا يتقنون المداهنة أو المجاملة حتى لو انطوى الأمر على قطع عيشهم، تلك التي تقول إن أحد الخليجيين الأثرياء كان يعمل في شركته أكثر من موظف ينتمون لجنسيات عربية مختلفة ويبدو أن الرجل وبعينه الفاحصة استطاع أن يفهم تركيبة كل شخص يعمل لديه وأراد أن يدلل لأحد أصدقائه أن السوداني ما ممكن أن يستعطف أحداً أو يقول ليه عليك الله خليني!! المهم أن الخليجي نادى شخصاً ينتمي لجنسية لا داعي لذكر اسمها وقال ليه: «شوف يا فلان من الأسبوع الجاي تلم أغراضك وتغادر إلى بلدك لأني استغنيت عن خدماتك»، وهنا بدأ هذا الفلان في سيل من التوسلات من شاكلة: أولادي في المدارس وأنا عملت إيه؟ وبعدها بدأ الفاصل الثاني من المسرحية وهو يستدعي أخونا أب عيناً حمراء وشرارة وقال ليه نفس ما قاله لزميله الآخر لكن الإجابة بالطبع لم تكن كسابقتها حين فاجأه السوداني قائلاً: «وتستغني عن خدماتي الأسبوع الجاي ليه؟ خليها من هسه». { نعم، هذا هو الفرق بيننا والآخرين. إننا، أو لنقل أغلبنا، زي قضيب السكة حديد لا يحتمل اللف والدوران، لكن هل هذا الفعل يدخلنا أحياناً في باب الجلافة ومفارقة الأتيكيت؟ هل نحن في حاجة لأن نراجع أسلوب معاملتنا مع بعضنا البعض؟ هل نحن لا نتقن العبارات التي تحفظ المقامات لأنه الكبير كبير؟ { هذه الأسئلة جعلتني أمارس هواية المراقبة للأفعال ولردودها الصادرة ممن هم حولي، فخرجت بنتيجة أننا بالفعل نفتقر كثيراً جداً للمجاملة وللكلمة الطيبة التي هي بخور الباطن، يعني مثلاً في الحافلة نادراً، إن لم يكن مستحيلاً، أن يقول أحدهم للكمساري: «لو سمحت دي محطتي» وعند النزول يقول ليه: «شكراً». وهو الكمساري ذاته غالباً ما يعمل طناش عند سماع طرقعة الأصابع ولازم يمشيك شويه من محطتك ولربما أنه ومن باب حسن الظن به عايزك تمشي شويه وتحرق كلسترول. { مشهد ثانٍ نادر جداً جداً جداً: أن يأكل واحد الغداء ويقول لي مرته: «تسلم يدك يا فلانة» لتبتسم له هذه الفلانة وتقول ليه: «تعيش وتجيب يا أبوفلان». لأنه الغالب البحصل أنه سي السيد بمجرد ما ينتهى من الأكل يقول ومن تحت أسنانه: «الشاي وينو»؟ فترد زوجته وبرضو من تحت أسنانها: «هو أنت متين أكلتَ»؟ { مشهد ثالث: أبحث عنه ولا أجده إلا في المسلسلات. أن يتعلم أبناؤنا تقبيل أيادينا طاعةً وشكراً وعرفاناً لأن من ينحني ليقبل يد والدته أو والده مستحيل أن يرفع عينه فيهما. { هذه المشاهد نحن بالفعل محتاجين أن نجعلها واقعاً لنعيشه لنجمّل به العلاقات بيننا ولنمنحها طابعاً حميمياً من الآلفة والمحبة وجميل الصلات. { تخيلوا معي أن أبسط الكلمات وأقلها حروفاً من شاكلة: «تصبحوا على خير أو صباح الخير أو قيّلتوا كيف» تستطيع أن تغسل الدواخل وتفشي السلام وتمنحنا رقياً في القول والفعل. فهل توافقوني أن رقيق الكلمات وعذب المجاملات لا ينقص من أنفتنا شيئاً ولا يكسر من كبرياء من يخاف على كبريائه، ويكفي أن الإسلام أمرنا بإفشاء السلام. فهل منكم من يبدأ بأول كلمة مجاملة رقيقة على حسب الموقف الذي فيه ما أن ينتهي من قراءة هذه الزاوية؟ كلمة عزيزة { في رأيي أن البرامج التي تخص الأسرة والمجتمع هي واحدة من أكثر البرامج ثراءً وحشداً بالمواضيع والمعلومات وذلك لأن للأسرة مشاكلها واحتياجاتها وإبداعاتها والكثير من النشاطات التي تشكل عالمها. لذلك اعتبر أن برنامج (بيت الهناء) الذي تقدمه (الشروق) هو من البرامج التي لو أنها أُعدت بالشكل المطلوب لكان ملتقًى للأسرة السودانية وذلك بما ل(الشروق) من إمكانيات هائلة تستطيع توظيفها لخدمة الأسرة السودانية. { والبرنامج الذي يتكون من فقرتين: الأولى طرح النقاش في موضوع ما والثانية فقرة المطبخ، يمثل في رأيي قمة الاستسهال لإعداد برنامج والسلام، كان يمكن أن يكون على غير ماهو عليه باحتوائه لفقرات مختلفة تخص الأسرة السودانية التي هي في حالة تحوّل كبير اقتصادياً واجتماعياً وحتى سياسياً. { على فكرة، واحدة من أسباب فشل البرنامج في رأيي هي ابتعاده أساساً عن الواقع السوداني باعتبار أنه يُسجل في الأردن ولا أدري سبباً لهذا الاختيار وكان يمكن أن يتم تسجيله من داخل الخرطوم ليكون قريباً من الأحداث وفي يده المادة التي يستطيع تناولها وتقديمها بقالب جيد للمشاهدة. كما أنني لا استطيع أن أتجاوز بالملاحظة أن مقدمته سحر حاج الأمين تشعرك وكأنها (مغصوبة) على تقديمه؛ فهي تفتقر للحيوية وللحرارة التي يجب أن يتصف بها مقدمو برامج على هذه الشاكلة. { على كلٍ أرجو أن تعيد (الشروق) النظر في إطار ومضمون هذا البرنامج الذي يحمل عنواناً جميلاً هو كل رصيده لدى المشاهد. كلمة أعز { رغم أن الفنان سيف الجامعة هو أكثر المتحدثين عن ميثاق شرف للفنانين يحكم أقوالهم وتصريحاتهم، هو أيضاً أكثر الفنانين حدةً في ردود أفعاله تجاه زملائه. لكن لحدي وردي بالغت يا سيف!! وغداً أعود.