ما من قضية من قضايا البلاد استطاعت أن تجد إجماعاً من القوى السياسية الشمالية مثلما وجدته قضية دعم الوحدة الوطنية في امتحان تقرير مصير جنوب البلاد عبر الاستفتاء، إلا أن استثمار الوفاق السياسي حول القضية ما زالت تعتريه عقبات أولاها (الحياد السلبي) للحركة الشعبية وانكبابها على إنجاز ترتيبات ما بعد الاستفتاء، وعدم اهتمامها بعمل ما يليها في نصوص اتفاقية السلام الشامل التي تخص الشريكين على دعم خيار الوحدة الجاذبة باعتبار أن هم الوحدة أمر يخص الشمال وتنظيماته السياسية. التمايز في المواقف يبدو واضحاً بالدرجة التي تحمست فيها الحركة الشعبية أكثر من غيرها من الأحزاب في إفشال اللقاء التشاوري حول الاستفتاء مع رئيس الجمهورية المشير عمر البشير، وإن كانت للقوى السياسية تحفاظتها للموافقة على مسائل متعلقة بمناقشة قضايا البلاد الأخرى المتعلقة بالحريات ودارفور وقضية المعيشة يبقى تأجيل اللقاء مخرجاً للحركة من حرج محاولة القوى السياسية، والمؤتمر الوطني إلى جانبها، تحصيل موقف معلن من الحركة بدعم خيار الوحدة الجاذبة من قيادتها السياسية. يزيد من تعقيدات التعاطي مع مفهوم دعم الوحدة أن القوى السياسية وخاصة تحالف قوى الإجماع الوطني له اشتراطاته الموجهة لمسار الاجتماع المقترح بدءاً بطريقة الدعوة ومروراً بالتحضير له وانتهاء بأجندته. عدة مآخذ يبديها عضو هيئة قيادة تحالف قوى الإجماع الوطني صديق يوسف على الدعوة للقاء التشاوري حول الاستفتاء من الرئيس البشير، يبدأها تلمحياً باختطاف المؤتمر الوطني لمقترح اللقاء الجامع أو المؤتمر القومي لمناقشة قضايا البلاد الذي طرحه الحزب الشيوعي داخل التحالف، ومن ثم قدم بها التحالف الدعوة للقوى السياسية بما فيها المؤتمر الوطني، فضلاً عن أن الدعوة خاطبت شخصيات ولم تخاطب أحزاباً. وتساءل يوسف عمن يخول للشخصيات الحزبية بالمشاركة في مثل هذا اللقاء؟ ويشير إلى أن الأصوب توجيه الدعوات بأسم الحزب ويرفض الفصل بين قضية الاستفتاء والحريات ودارفور والقضايا المعيشية باعتبار أنها ذات ارتباط وثيق. ويقول ل (الأهرام اليوم) «ليس من الموضوعي تناول قضية الاستفتاء بمعزل عن الحريات لأن الاستفتاء ممارسة ديمقراطية كما أن نتيجة الاستفتاء ستؤثر على الاتجاهات السياسية لقوى دارفور ومواطنيها وكذلك بالنسبة لجبال النوبة والنيل الأزرق التي ربما تتصاعد مطالبها بذات الاتجاه». «الفرصة الأخيرة تلقي بمسؤوليات ثقيلة على الكيانات السياسية كافة» يضيف صديق يوسف، حيث يرى أن ما يسعون إليه من إجماع وطني هو الكوة المفضية إلى باحة الوحدة الوطنية عبر إتاحة الخيار لأبناء الجنوب في ممارسة حق الاستفتاء بشفافية وأن يقرروا بحرية، والأمر برمته جهد وطني قومي للدفع بسهم في مشروع الوحدة. وحول احتمالات نجاح مساعي تحالف المعارضة في أهدافه بالخصوص، وبمعزل عن المؤتمر الوطني؛ يقطع يوسف بأنه من غير الممكن الوصول إلى النتائج المرجوة. إلا أنه يشدد على تمسكهم بالنضال من أجل الوحدة حال رفض الوطني للرؤية التكاملية للقوى السياسية، وثبت أن القضايا محل الخلاف قضايا جوهرية وثيقة الصلة بالاستفتاء. ويحمل الوطني وزر ما تؤول إليه البلاد من أوضاع (كارثية) أمام التاريخ حال إصراره على مفارقة الإجماع الوطني. المسؤولية التاريخية التي انتهى إليها حديث التحالف يؤمن عليها المؤتمر الوطني، ويجزم على لسان القيادي بالحزب ونائب رئيسه بولاية الخرطوم الدكتور مندور المهدي بأن (الوطني) ولأهمية القضايا محل البحث لن يقطع وصل الحوار حتى تتوج الجهود بعقد الاجتماع وبأسرع فرصة ممكنة. وينفي مندور وجود أجندة مسبقة في اللقاء المقترح، ويقول ل «الأهرام اليوم» إن قضية الوحدة مجمع عليها من القوى السياسية والاجتماع مع البشير يراد له أن يكون بداية للعمل المشترك نحو تحقيق هذا الهدف من غير التزام بآراء محددة سوى التركيز على قضية الاستفتاء بالنظر إلى أهميتها وارتباطها بعامل زمني حاسم. ومع تأمينه على أهمية القضايا الأخرى يذهب مندور إلى أنه من الممكن التناظر حولها في منابر منفصلة لأنها متشعبة والآراء حولها متقاطعة مثل قضية دارفور والمسألة المعيشية. ويعتبر مندور أن الاجتماع بالبشير سيمثل النواة التي تخرج بمقترحات حول آليات الوحدة، وينبه إلى أن القضية ليست خاضعة للمناورات وأن أي مشاركة ستكون دفعاً إيجابياً نحو هدف الوحدة. وفي الوقت الذي تتقاطع فيه الرؤية ما بين التحالف الوطني حول وسائل ومسميات وموضوعات منابر القضايا العامة؛ تنشط اللجنة المشتركة ما بين حزب الأمة القومي (أحد كيانات التحالف) والحزب الاتحادي الديمقراطي (الأصل) في وضع تصورات وآراء تطرحها على القوى السياسية الأخرى؛ تصب باتجاه دعم انعقاد اللقاء الجامع حول الوحدة والقضايا ذات الصلة. ويقول الأمين العام لحزب الأمة القومي الفريق صديق إسماعيل ل «الأهرام اليوم» عن تفويض اللجنة إنها ليست لجنة وسيطة بين (الوطني) والتحالف، وأهدافها مستمدة من واقع المسؤولية التاريخية الملقاة على عاتق الحزبين الكبيرين اللذين اتفقت قيادتيهما على برنامج للعمل يطرح للآخرين للالتفاف حوله وصولاً للقاء القومي الجامع. حماسة القوى السياسية، برغم الخلافات حول التفاصيل، للوحدة الوطنية؛ أمر يثير الشكوك لدى المثقفين وعامة المواطنين من أبناء الجنوب، بحسب ما ذهب إليه الدكتور القيادي بالحركة ديق اطوك في إفادته للصحيفة. ويضيف أن كل شعب الجنوب تساوره الشكوك في نوايا الأحزاب التي كانت تجاهر بتحفظاتها على نيفاشا ولم تلتق (الوطني) في قضية منذ مبتدأ تنفيذ الاتفاقية في العام 2005م كما هو الآن حول الاستفتاء. ويشير أطوك إلى أن أمر الاستفتاء جديرة بتوليه مؤسسات تنفيذ الاتفاقية من برلمان ومؤسسة رئاسة. ويقول إن الذي يريد وحدة جاذبة عليه بالذهاب إلى الجنوب لينشئ مشاريع مثلما فعل نائب الرئيس علي عثمان محمد طه، وعلى الميرغني والمهدي أن يفعلا ذلك إن كانا يملكان مالاً. ويزيد «لا شيء يدعو للوحدة الجاذبة سوى التنمية»، ويسترسل «لم يجدوا ما يجتمعون عليه غير الاستفتاء» ثم يردف متسائلاً «ما الذي يجمع الترابي ونقد؟».