{ صديقنا عازف عن الزواج حتى إشعار آخر، وهذا العزوف يسبب قلقاً لكل أهله وأصدقائه المقربين، على أساس أنه عزوف غير مبرر، فهو شاب مقتدر مادياً وله وظيفة مرموقة وسيارة جميلة ووضع اجتماعي ممتاز ومنزل خاص، وهي كل الأشياء التي يمكن أن يشكل عدمها عقبة في طريق شاب آخر نحو الزواج، بالإضافة إلى أن صفاته الشخصية جيدة فهو يتمتع بروح طيبة وفهم عال للحياة وعلى قدر من الوسامة مما يجعله حلماً للعديد من الفتيات في إطاره الأسري والمهني والسكني. لذلك اتفق الجميع على أن بقاءه دون زواج حتى الآن فيه إهدار لشبابه ومدعاة للتساؤل والاستنكار والهمس واللمز، علماً بأن صديقنا بلغ الأربعين إن لم يكن تجاوزها. ولكن صديقنا يؤكد أن لديه أسبابه المنطقية والمقنعة لهذا العزوف المتعمد الذي يزعم أنه دون إرادة منه وأنه لجأ إليه رغم حاجته الماسة للزواج ورغبته في حياة مستقرة يتمتع فيها بالمودة والسكن ويحلم بأبناء يحملون اسمه من بعده ويعينونه على كبره وعجزه يوماً ويحلم أيضاً بزوجة وادعة حنونة تحمل معه هموم المعيشة وتعينه على مصائب الدهر، ولكن يبقى السؤال: أين هي؟ { وهذا هو السؤال الذي يصعقنا به دائماً ويشكل هاجساً في حياته، رغم أن الفتيات القابلات للزواج لا حصر لهن ولا عد، فكيف يسأل «أين هي» وكيف لم يجد واحدة من بين كل هذا الزخم الذي يملأ الطرقات سعياً نحو المدارس والجامعات ومواقع العمل ناهيك عن القابعات في بيوتهن لعدة أسباب وهن جميعاً في انتظار العريس؟! ولكن.. يبقى صديقنا على موقفه سارداً التفاصيل وموضحاً لنا وجهة نظره في محاضرة طويلة عن المفهوم الحقيقي للزواج وشروط الزوجين نحو حياة طويلة وسعيدة وناجحة، فهو يرى أن معظم فتيات هذا الجيل من اللائي في عمر الزواج لا يعرفن ماهية الحياة الزوجية الحقيقية ولا المبادئ التي يقوم عليها الزواج، فمعظمهن نشأن بعيداً عن الإحساس الفعلي بالمسؤولية وكيفية التعامل مع الرجل كزوج له حق القداسة والطاعة والتبجيل، ولا يجدن القيام بدورهن كزوجات حانيات صبورات قادرات على تجاوز الصعاب في جلد واحتمال وبكل تقدير لأوضاع شريك الحياة العارضة. ويواصل صديقنا اتهامه فيؤكد أن البنات اليوم لا يبرعن في إدارة شؤون مملكة الزواج ولا تصريف الأمور المالية بشيء من الحرص والتدبير، بل يمارسن التبذير والإنفاق بشكل مستهتر وكأن لديهن رغبة في الانتقام من هذا الزوج بتبديد أمواله عنوة ولسان حالهن يقول (أنا مالي)، علماً بأن هذا المال بالأخير مال مشترك من الواجب إنفاقه في أمور إيجابية تصب في مصلحة هذا الزواج أو يُدّخر لأوقات الشدة، كما أن معظم زيجات هذه الأيام تنهار سريعاً بسبب إسهاب الزوجة في الشكوى والتذمر والتمرد الدائم والعناد وإفساح المجال لكل من هب ودب للتدخل في تفاصيل وشؤون حياتها الزوجية دون تقدير لمبدأ الستر، علماً بأن العديد من المشاكل الزوجية تبدأ صغيرة ولكنها تكبر كلما ذاعت وشاعت وعمّت. { وقد يتفق الكثير من المضربين عن الزواج على هذه الأسباب وربما يوردون غيرها من الأسباب المنطقية ويذهبون لأبعد من ذلك فيصر أحدهم أن يبحث في كل فتاة عن ملامح «أمه» ولن يجدها. ولكننا بهذا نتحامل على العديد من الفتيات الممتازات اللائي يجدن إدارة البيوت وتصريف المهام الزوجية ولهن القدرة على الصبر وحفظ الأسرار وإخماد الخلافات والاهتمام بالزواج وهن كزوجات يرفعن الرأس ويحفظن الوداد فيصبحن نعم السكن والعون والشريك. وبالمقابل نجد شباباً مستهترين غير قادرين على تحمل المسؤولية بالمرة، وأسهل ما عليهم اتخاذ قرار الطلاق جزافاً ولا يعرفون عن الزوجة أكثر من كونها خادمة في المنزل والفراش، ورغم ذلك لا تعرض البنات عن الزواج إلا قليلاً. { تلويح: الزواج.. مؤسسة للإصلاح والتهذيب!