1/ إلى وقت قريب كنت أظن .. وبعض الظن جمال .. أن وجبة الفول، أو قل البوش تحديدا هي أرخص وجبة في هذا البلد الواسع بحجم صندوق كبريتٍ مبتل بالماء، وحالما وصل سعره إلى ثلاثة جنيهات كاملة أعلنت عن يأسي في وجه زميلي. 2/ لم يمهلني هذا الزميل المشرد في أزقة الولاية، قادني خلفه ليفتح لي نوافذ أخرى يعتقد في سره بأنها هي الأرخص، سحب مقعدا يحاذي الأرض وجلسنا في ظل شجرة بجوار سيدة محترمة تجلس بتهذيب مفرط خلف خط النار. 3/ أمام المرأة ترتص أواني الشاي .. أوانٍ نظيفة لامعة ومصقولة، خنقتُ عنق غبني وتساءلت سرا .. ما علاقة هذا المكان بما نريده ؟، نريد شيئا نقضمه ولسنا عطشى، ولكنه لم يستجب للاستفزاز المرسوم فوق ملامحي. 3/ أشار إلى جردل مصنوع من الألمونيوم قابع بجوار السيدة، خاطبها بلطف إن كان لديها (باكمبا) أو (بليلة)، اعتدلت سيدة الأعمال في جلستها، شدت طرف ثوبها الزاهي زهو ابتسامتها وأعلنت عن حضور (الباكمبا). 4/ حشد زميلي فرحة كبيرة وكأنه عاش منتصرا وسيموت منتصرا، حاولتُ أن أفتح فمي وأخرج عبره عشرات من الأسئلة، إلا أن علامات الصبر التي يشير بها قد اسكتتني. 5/ أمسكت المرأة بوعاء دائري، ازاحت بأطراف أناملها غطاء الجردل وغرفت بملعقة كبيرة الحجم حبيبات من القمح المقشور، ملأت بها تجويف الإناء ثم سكبت فوقه قبضة من الطحنية والسكر وسائل لم أتمعن أو أتأكد من ماهيته. 6/ دقائق قليلة مرت حتى التهمنا (الباكمبا) إلى آخرها، شعرت بأطنان من الأسمنت تستقر في قاعدة المعدة، يوم كامل والاحساس بالشبع لم يفارقني لحظة وفقط بجنيهين ونصف الجنيه، أقتنعت في سري بأن هذه أرخص وجبة يمكن الحصول عليها في هذا البلد المشتعل بنيران الغلاء. 7/ هزّ زميلي رأسه ساخرا وقادني في اليوم التالي الى جهة مطعم شعبي قذر معلقة على جدرانه شهادات صحية مختومة بختم المصنع .. مطعم لا أبواب فيه ولا نوافذ، صاح زميلي مناديا بأعلى صوته .. 8/ يا معلم واحد كسرة بالموية سريع لو سمحت، وقبل أن تأخذني غفوة من شدة المفاجأة إذا بصحن صغير الحجم تتوسطه لفافات من الكسرة الناشفة وفوقها ثلاث أو أربع شرائح من الطماطم وقطع من البصل الأبيض ونصف حبة من الليمون وبجانبه كوب من الماء .. وأنتهى البيان. 9/ لم أتفوه بكلمة إلى أن قال لي زميلي .. هذه أرخص وجبة في السودان وبجنيهين فقط، اضافة إلى أنها من أكثر الأطعمة صحةً وضمانا، ضحكت في سري وقلت بالفعل إنها كذلك مادام هي من الماء إلى الماء. [email protected]