ما بين ادعاءات المحكمة الجنائية ضده، وما رأيته من اهتمام بالإنسان وسهر على راحته وعمل جاد من أجل الارتقاء به وتأمين احتياجاته الضرورية والاهتمام العميق بنمائه وتطوره، وتنمية البيئة المحيطة به، وما شاهدته من مشروعات تنموية عملاقة جعلت الحياة تدب في أوصال ولاية حبست أنفاسها ترقباً لمستقبل غامض مأساوي أصبح يلاحق أبناءها جراء معارك شرسة دارت رحاها هناك بين القوات الحكومية من جهة وقوات الحركة الشعبية من جهة أخرى أدت إلى إغلاق الولاية وشلت قواها المنتجة الحية لأكثر من خمسة وعشرين عاماً تحولت خلالها الحياة إلى كابوس مرعب أقضّ مضاجع أهلها الطيبين وأحال الأخضر يابساً مما جفف منابع الحياة وعطل أسبابها وحول تلك الولاية إلى خراب ودمار ضرب أهم المقومات الأساسية التي تحفز الإنسان للعيش بها مع أن الله سبحانه وتعالى قد حباها بكل المقومات التي تجعل منها ولاية أنموذجاً في كل شيء، موارد بشرية ذات قيمة وجدوى وهمة عالية فقد عرف إنسان تلك الولاية بالقوة والصلابة والمرونة والسماحة فهو بجد ثروة قومية إذا ما توافرت له سبل العيش الكريم وفرشت له الأرضية المحفزة ومهدت له السبل للإنتاج، ففي الولاية توجد كل مقومات الإنتاج الزراعي والحيواني، أراض ذات خصوبة عالية وتنوع تضاريسي عجيب، لم يشقها محراث من قبل ولم يعرف أهلها الأساليب الزراعية بالطرق العلمية الحديثة. ما بين تلك الادعاءات الكاذبة وهذه المشاهدات الحية الماثلة تكمن حقيقة مولانا أحمد هارون، إذ كيف يمكن أن يتهم إنسان بارتكاب جرائم ضد الإنسانية ويوصف بأوصاف تجرده من أدنى المشاعر الإنسانية وهو في نفس الوقت يسعى جاهداً لأن يصنع الحياة في ولاية أصبح أهلها أحياء ولكنهم كالأموات أصيبوا بداء الرعب وفقدان الثقة في كل شيء؟ ولاية تتمتع بكل عوامل النماء والازدهار والتقدم، تنوع في كل شيء، الإنسان والمناخ والتضاريس، أراض زراعية واسعة وخصبة وإنسان يعرف كيف ينتج وكيف يعيش في أحلك الظروف، وموارد مائية تكفيه وتكفي جيرانه إن أحسن استغلالها، وتولد كهرباء تكفي الولاية من أقصاها إلى أدناها، وطبيعة خلابة، سلسلة من التلال والجبال تغطيها الأشجار والنباتات والحشائش لتحولها إلى مروج وتموجات خضراء، خضرة على مد البصر وتنوع في الحياة البرية، مراع طبيعية ممتدة بطول الولاية وعرضها، وثروة حيوانية إن توفرت لها الوسائل والتقنيات الحديثة في تربية الماشية والضأن والماعز لتفوقت على هولندا في إنتاج الألبان والأجبان ومنتجات الحيوان الأخرى لأن المرعى هنا طبيعي وهو ما تفتقده هولندا، غطاء نباتي كثيف يجعلها تنافس أشهر المدن التي اشتهرت بالخضرة والجمال، مما يشكل بنية تحتية لمنتجعات سياحية على مستوى عالمي. بدأت العربة تشق الطريق من الخرطوم إلى كادقلي وطيلة هذه الرحلة لم ترتح النفس إلا بعد أن دخلت العربة كردفان الغرة أم خيراً جوة وبرة، ولم تبلغ النفس منتهى الراحة إلا بعد عبور الأبيض ومغادرة السافنا الفقيرة ودخول الدلنج حيث السافنا الغنية. الطريق إلى كادقلي مؤنس وليس موحشاً لأنه طريق عامر بالقرى والفرقان والناس والقطعان والطيور والغزلان والحبار ودجاج الوادي والأرانب البرية، ولأنني من مدينة القضارف رسخت عندي قناعة أن الشرق هو أجمل مناطق السودان، ولكن هذه القناعة تلاشت بمجرد عبور منطقة الدلنج والتوجه إلى منطقة كادقلي وعند مشارف المدينة تبدأ مشاريع التنمية ،الميناء البري الجديد مشروع عملاق يصلح أن يكون صالات بمطار عالمي، ثم الاستاد الجديد الذي يسع باكتمال مرحلته الأخيرة 45 ألف متفرج، ثم مشروع مستشفى كادقلي التعليمي الذي يتكون من ثلاثة طوابق ويفي بحاجة الولاية ويزيد لأنه ليس المستشفى الوحيد بالمدينة حيث يوجد هناك مستشفى الشرطة الموحدة ومستشفى قوات الشعب المسلحة بالإضافة إلى المستشفى القديم الذي يخضع الى ترميم وإعادة تأهيل، ثم مشروع الحديقة النباتية وهي من أضخم وأكبر الحدائق النباتية في المنطقة وتوجد بها كافة أنواع النباتات ومن حسن حظها أنها تخضع لاهتمام ورعاية نائب رئيس الجمهورية الأخ علي عثمان محمد طه، ومما يلفت النظر عدد الطرق المعبدة داخل المدينة وخارج المدينة التي يبلغ طولها أكثر من تسعمائة كلم مما أدى إلى اختلاف شكل المدينة وأصبحت أشبه بالمدن الحديثة وأصبحت أكثر جاذبية للكثير من سكان القرى المحيطة ولكن حتى لا ينتقل الريف إلى المدينة فقد عكفت الحكومة على تنفيذ العديد من مشروعات البنية التحتية بعدد من المحليات أشهرها طريق كادقلي البرام الذي يبلغ طوله أكثر من 52 كلم وتنفذه شركة كير للإنشاءت إحدى الشركات الوطنية العاملة بالولاية التي يقود دفة العمل بها الإداري القدير السيد محمد علي كير الرأسمالي الوطني الغيور بجانب مجموعة من المهندسين والإداريين الأكفاء على رأسهم الدكتور ربيع مكي والمهندس الدود عبد العزيز اللذان ظلا مرابطين وعاكفين على هذا الطريق الحيوي في ظروف قاسية إلى أن تم الإنجاز الأهم فيه وهو تنفيذ كوبري نهر العفن الموسمي الذي أطلقوا عليه كوبري العبور، ويعتبر هذا الكوبري ذا أهمية إستراتيجية لأنه استطاع أن يربط معتمدية البرام بالمدينة كادقلي وهي منطقة ظلت عصية على الحكومة فترة من الزمن لأنها كانت تخضع لسيطرة الحركة الشعبية قبل نيفاشا وحتى الآن تدار بواسطة الحركة فالمعتمد عبد الباقي علي قرفة كان من القادة الميدانيين للحركة الشعبية وهو رجل أصيل وكريم وشهم ومحلية البرام هذه تبعد من ولاية أعالي النيل حوالي 30 كلم وهي من المناطق التي يمكن أن تكون أنموذجاً حياً للوحدة بين الشمال والجنوب والشيء الذي لفت نظري بولاية جنوب كردفان هو ذلك الانسجام والتناغم والتفاهم بين الشريكين فقد ظل الجهاز التنفيذي بهذه الولاية يعمل بانسجام وتناغم تامين انعكسا على الاستقرار والتعايش الكبير بين مختلف قبائل الولاية ولكن ما تحتاجه الولاية هو ضخ المزيد من الإمكانيات المادية لاستكمال مشاريع التنمية والبني التحتية لا سيما محلية البرام لأن عندها تنتهي حدود 1956 فإذا قدر للسودان أن يظل موحداً فإنها يجب أن تظل نموذجاً للوحدة والتوحد وإذا قدر الانفصال فإنها يجب أن تكون منطقة جاذبة لأهلها حتى لا تحدث هجرة منها إلى الجنوب لتعود الولاية إلى قائمة الولايات الداعمة للاقتصاد الوطني وهي بلا شك قادرة على ذلك وليعم الأمن والاطمئنان ربوعها فالتحية للأخ مولانا أحمد هارون وهو يقود ركب هذه الولاية العملاقة والتحية للأخ عبد العزيز الحلو وهو يساند ويدعم ويشد من أزر هارون ليضربا مثلاً ونموذجاً في كيفية العمل من أجل وحدة البلاد والتحية للأجهزة الأمنية والشرطية التي تعمل ليل نهار من أجل استتباب الأمن لتعيد البسمة والأمل لشفاه طال انتظارها حتى كادت أن تصاب بالجفاف والتشقق والتحية من قبل ومن بعد للجيش السوداني حامي الأرض والعرض.