شاهد بالصورة.. المذيعة السودانية الحسناء فاطمة كباشي تلفت أنظار المتابعين وتخطف الأضواء بإطلالة مثيرة ب"البنطلون" المحذق    شاهد بالصور.. الفنانة مروة الدولية تكتسح "الترند" بلقطات رومانسية مع زوجها الضابط الشاب وساخرون: (دي اسمها لمن القطر يفوتك وتشتري القطر بقروشك)    شاهد بالصورة.. زواج الفنانة الشهيرة مروة الدولية من ضابط شاب يقيم بالقاهرة يشعل مواقع التواصل السودانية    شاهد بالصورة.. زواج الفنانة الشهيرة مروة الدولية من ضابط شاب يقيم بالقاهرة يشعل مواقع التواصل السودانية    القوة المشتركة لحركات الكفاح المسلح: بدأت قواتكم المشتركة الباسلة لحركات الكفاح المسلح بجانب القوات المسلحة معركة حاسمة لتحرير مصفاة الجيلي    مصطفى بكري يكشف مفاجآت التعديل الوزاري الجديد 2024.. هؤلاء مرشحون للرحيل!    شاهد مجندات بالحركات المسلحة الداعمة للجيش في الخطوط الأمامية للدفاع عن مدينة الفاشر    إجتماع مهم للإتحاد السوداني مع الكاف بخصوص إيقاف الرخص الإفريقية للمدربين السودانيين    وزير الصحة: فرق التحصين استطاعت ايصال ادوية لدارفور تكفى لشهرين    وكيل الحكم الاتحادى يشيد بتجربةمحلية بحرى في خدمة المواطنين    أفراد الدعم السريع يسرقون السيارات في مطار الخرطوم مع بداية الحرب في السودان    ضربة موجعة لمليشيا التمرد داخل معسكر كشلنقو جنوب مدينة نيالا    مدير مستشفي الشرطة دنقلا يلتقي وزير الصحة المكلف بالولاية الشمالية        ضياء الدين بلال يكتب: نحن نزرع الشوك    غوتيريش: الشرق الأوسط على شفير الانزلاق إلى نزاع إقليمي شامل    أنشيلوتي: ريال مدريد لا يموت أبدا.. وهذا ما قاله لي جوارديولا    غوارديولا يعلّق بعد الإقصاء أمام ريال مدريد    محاصرة مليوني هاتف في السوق السوداء وخلق 5 آلاف منصب عمل    امين حكومة غرب كردفان يتفقد سير العمل بديوان الزكاة    نوير يبصم على إنجاز أوروبي غير مسبوق    تسلا تطالب المساهمين بالموافقة على صرف 56 مليار دولار لرئيسها التنفيذي    محافظ بنك إنجلترا : المملكة المتحدة تواجه خطر تضخم أقل من الولايات المتحدة    منتخبنا يواصل تدريباته بنجاح..أسامة والشاعر الى الإمارات ..الأولمبي يبدأ تحضيراته بقوة..باشري يتجاوز الأحزان ويعود للتدريبات    بايرن ميونخ يطيح بآرسنال من الأبطال    بالصور.. مباحث عطبرة تداهم منزل أحد أخطر معتادي الإجرام وتلقي عليه القبض بعد مقاومة وتضبط بحوزته مسروقات وكمية كبيرة من مخدر الآيس    العين يهزم الهلال في قمة ركلات الجزاء بدوري أبطال آسيا    مباحث المستهلك تضبط 110 الف كرتونة شاي مخالفة للمواصفات    قرار عاجل من النيابة بشأن حريق مول تجاري بأسوان    الرئيس الإيراني: القوات المسلحة جاهزة ومستعدة لأي خطوة للدفاع عن حماية أمن البلاد    بعد سحق برشلونة..مبابي يغرق في السعادة    جبريل إبراهيم: لا توجد مجاعة في السودان    خلال ساعات.. الشرطة المغربية توقع بسارقي مجوهرات    مبارك الفاضل يعلق على تعيين" عدوي" سفيرا في القاهرة    وزير الخارجية السعودي: المنطقة لا تحتمل مزيداً من الصراعات    لمستخدمي فأرة الكمبيوتر لساعات طويلة.. انتبهوا لمتلازمة النفق الرسغي    عام الحرب في السودان: تهدمت المباني وتعززت الهوية الوطنية    مضي عام ياوطن الا يوجد صوت عقل!!!    مصدر بالصحة يكشف سبب وفاة شيرين سيف النصر: امتنعت عن الأكل في آخر أيامها    واشنطن: اطلعنا على تقارير دعم إيران للجيش السوداني    ماذا تعلمت من السنين التي مضت؟    إنهيارالقطاع المصرفي خسائر تقدر ب (150) مليار دولار    أحمد داش: ««محمد رمضان تلقائي وكلامه في المشاهد واقعي»    إصابة 6 في إنقلاب ملاكي على طريق أسوان الصحراوي الغربي    تسابيح!    مفاجآت ترامب لا تنتهي، رحب به نزلاء مطعم فكافأهم بهذه الطريقة – فيديو    راشد عبد الرحيم: دين الأشاوس    مدير شرطة ولاية شمال كردفان يقدم المعايدة لمنسوبي القسم الشمالي بالابيض ويقف علي الانجاز الجنائي الكبير    وصفة آمنة لمرحلة ما بعد الصيام    إيلون ماسك: نتوقع تفوق الذكاء الاصطناعي على أذكى إنسان العام المقبل    الطيب عبد الماجد يكتب: عيد سعيد ..    ما بين أهلا ووداعا رمضان    تداعيات كارثية.. حرب السودان تعيق صادرات نفط دولة الجنوب    بعد نجاحه.. هل يصبح مسلسل "الحشاشين" فيلمًا سينمائيًّا؟    السلطات في السودان تعلن القبض على متهم الكويت    «أطباء بلا حدود» تعلن نفاد اللقاحات من جنوب دارفور    دراسة: القهوة تقلل من عودة سرطان الأمعاء    الجيش السوداني يعلن ضبط شبكة خطيرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نبيل أديب عبدالله ... الأمن والأمان أو السلطة والحرية
نشر في رماة الحدق يوم 05 - 03 - 2017

"كما أن الملك هو القانون في الحكومات الاستبدادية، فإن القانون يجب أن يكون هو الملك، ولا يكون هناك ملك خلافه"، بينما لا زالت لجنة التعديلات الدستورية الأخيرة المقدمة من رئاسة الجمهورية، بناء على اقتراحات المؤتمر الشعبي تحظى باهتمام الرآي العام. وقد استمعت اللجنة في الأربعاء الماضي، لرأي الهيئة القضائية، كما عبَّر عنه مولانا العالم عبد المجيد محمد إدريس، والذي قدم رآياً متزناً أوضح فيه أنه لا يوافق على أن تقتصر سلطات الأمن على جمع المعلومات، ولكن هذا لا يعني أن يفعل الأمن ما يشاء. وطالب بإخضاع سلطات الجهاز فيما يتعلق بالاعتقال والتوقيف لرقابة القضاء، وأنا اعتقد أن رأي مولانا هو رأي متزن يجب الأخذ به. لعله من أكبر الأخطاء التي وقعت فيها حكومة الانتفاضة هي أنها خضعت للضغوط الشعبية، فقررت حل جهاز الأمن. وهو الأمر الذي خلط فيه الناس بين ممارسات جهاز معيَّن وبين الحاجة لذلك الجهاز، لذلك فإن الطبيب الذي يستأصل كلية المريض لأنها لا تؤدي عملها بالفعالية المطلوبة، لا يستغنى عنها، بل ينقل له كلية أخرى لتؤدي عملها.
معلوم أن الأمن في معناه اللغوي هو الاطمئنان والتحرر من الخوف. لذلك فإن تعريف الأمن الوطنى لابد أن يكون تعريفاً سالباً، بمعنى أنه يعني منع وقوع ما يهدده. فالأمن هو دائماً تحصين في مواجهة مهددات. لذلك فإنه من المهم تحديد ماذا نعني بالوطن وما هي مهدداته التي يتحقق الأمن الوطني بمنعها. إذا كان الأمن يعني ذلك فإن الأمان يعني أن يشعر المواطن بعدم تدخل الدولة في شؤونه إلا عن طريق أحكام القانون وبإتباع التدابير السليمة للقانون.
لا توجد سلطة فوق وثيقة الحريات
"حيث ينتهي القانون يبدأ الاستبداد" جون لوك.
الحاجة لجهاز الأمن هي حاجة يفرضها وجود الدولة نفسها. ولكن ذلك لايعني بحال من الأحوال عدم تحديد سلطات الجهاز، والتي يجب أن لا تتجاوز بحال من الأحوال حدود سلطات الدولة التي قام ليخدمها. حدود سلطات الدولة بمختلف أجهزتها تقف عند وثيقة الحقوق التي لا تملك أي سلطة من السلطات الثلاث أن تخرقها والتي يقول عنها توماس جيفرسون " وثيقة الحقوق هي تلك الحقوق التي يتمتع بها الشعب في مواجهة أي حكومة في العالم، وهي حقوق لا يجوز لحكومة عادلة أن ترفضها". والتي قال عنها ماديسون، في خطابه للمؤتمر الذي أقر التعديلات العشر الأوائل في الدستور الأمريكي المعروفة بوثيقة الحقوق ". أساس وثيقة الحقوق هو أن تحد من سلطات الحكومة، وتؤطرها، بأن تخرج من نطاق تلك السلطات تلك الحالات التي يمتنع فيها على الحكومة أن تفعل شيئاً، أو أن تفعل ذلك الشيء فقط بطريقة معينة ".
إن مسألة سلطات جهاز الأمن يجب معالجتها عن طريق مانحتاجه من جهاز الأمن بشكل لا يسمح بإفراط، ولا تفريط، لأن الإفراط يفقد المواطنين حقهم في الأمان، في حين أن التفريط يفقد الوطن حقه في الأمن. وهذا الخط الفاصل هو ما سنحاول التوصل إليه في هذا المقال .
وأول ما نرغب في أن نزيل اللبس حوله هو الفهم المغلوط بأن ناشطي حقوق الإنسان لا يريدون جهاز أمن قوي ووجه الخطأ في هذا الفهم هو أن المدافعين عن حقوق الإنسان لا يعيقهم نشاط جهاز الأمن طالما أنه يمارس سلطاته وفق تفويضه الدستوري. فالحريات العامة لا يدخل ضمنها حرية انتهاك السيادة الوطنية ولا الإخلال بأجهزة الدولة، بل على العكس من ذلك، فإن الحريات العامة لا تزدهر إلا في ظل دولة القانون التي تحرس تلك الحريات. وهو الأمر الذي يتطلب أجهزة تنفيذ قانون على درجة من الكفاءة والفعالية تضمن ذلك، لذلك فإن المدافعين عن حقوق الإنسان كما سنرى فيما بعد يهمهم أن يتفرغ جهاز الأمن لمهمته الأصلية حتى يعمل بالكفاءة المطلوبة.
بالعودة إلى التعديل الدستوري فيما يتعلق بالمادة 151 المتعلقة بجهاز الأمن، نجد أن التعديل المقترح لم يفعل أكثر من أن يعيد المادة 151 إلى حالتها التي كانت عليها قبل تعديل 2015، لقد كانت المادة في الأساس تتحدث عن تفويض جهاز الأمن باعتباره جهازاً مهنياً، يركز على جميع المعلومات وتقديمها وتقديم النصح للأجهزة المختصة ثم جاء تعديل 2015 فتحدث عن عسكرة الجهاز.
واقع الأمر هو أن قانون قوات الأمن لعام 1999 الذي كان سارياً قبل صدور الدستور، والذي ظل سارياً لمدة خمس سنوات، بعده، يتحدث عن جهاز عسكري ذو رتب عسكرية. ثم جاء قانون الأمن الوطني عام 2010م، فاحتفظ لجهاز الأمن بالتشكيل العسكري الذي كان موجوداً في قانون 1999م. إذاً فتعديل 2015م لم يفعل أكثر من الاعتراف بالواقع الموضوعي والقانوني الذي لم تفلح المادة 151 من دستور 2005 في تغييره. وعليه فإن العودة للمادة الأصلية لن يغيِّر شيئاً من واقع سلطات جهاز الأمن التي وصفها القاضي العالم بأنها لا تخضع لرقابة القضاء، وأنها تكون أحياناً متعسفة.
لقد سبق وذكرت في مقال سابق أن مشكلتي مع التعديلات الدستورية الموضوعة على منضدة المجلس التشريعي هي أنها عديمة الفاعلية، لأنها لن تؤدي إلى وقف ماتعاني منه حالة الحريات العامة في البلد من ضعف والتي أكدها رئيس الجمهورية في خطاب يناير 2014م، حين وضعها كأحد المحاور التي يجب أن يجري حواراً وطنياً شاملاً حولها. والتي استشعرها بعد ذلك مؤتمر الحوار الوطني الذي تبنى توصيات في محور الحريات ترمي إلى تقليص سلطات جهاز الأمن في الاعتقال والتعرض للصحافة بشكل خاص. بغض النظر عن النصوص الدستورية، ماذا نريد من جهاز الأمن؟ للتوصل لإجابة لذلك يلزم النظر لمفهوم الأمن الوطني.
التداخل بين مفهومي الأمن الوطني وأمن الدولة
الوطن كمفهوم قانوني يتكون من عناصر ثلاثة، شعب يعيش فى إقليم معيَّن تحت سيادة دولة معيَّنة. فكلمة الوطن تنصرف إلى وحدة ضمن علاقات دولية، والأمن الوطني هو حالة التحصين ضد كل ما يهدد ذلك الكيان في تلك العلاقات. وهو غالباً يتمثل في مواجهة المهددات الخارجية التي تفرضها الصراعات الدولية والتي تصل درجة تهديد كيان الوطن، وذلك بما يمس استقلال الدولة أو سلامة إقليمها أوشعبها، لأن كل ما يهدد أياً من هذه العناصر الثلاثة يهدد الأمن الوطني. وهذا يعني أن مهدد الأمن الوطني في الغالب يأتي من مصدر خارجي، وأنه يجب أن يهدد أحد مكونات الوطن الثلاثة. ولما كانت الدولة هي التي تمارس السيادة على الإقليم، كما وأنها هي المسؤولة عن الدفاع عن الشعب، فإن ما يهدد الأمن الوطني يهدد أمن الدولة، لأنه يخل بأدائها لواجباتها. فإذا كان سكان منطقة ما، بسبب عرقهم أو دينهم أو تكوينهم الثقافي يتهددهم واقع معين، مثل حالات الفتنة الدينية أو العرقية، فإن هذه المسألة تمس الأمن الوطني، وذلك لأن المهدد يتصل بأحد المقومات الثلاثة للوطن، ولكنها تمس أمن الدولة أيضاً عن طريق مساسها بأمن المواطنين الذين يقع على عاتق الدولة توفير الأمن لهم. و وكون أن مصدرها قد يكون داخلياً، فهذا لا يعني أنها أقل أهمية من مسائل الأمن الوطني التي تتصل بالمهددات الخارجية، ولكن يعني أنها مسألة مختلفة وتتطلب معالجة مختلفة. إذاً فإن أساس الأمن الوطني هو مواجهة المهددات التي يمكن أن تستهدف مقومات الوطن وهي الشعب، أو الأجهزة المكونة للدولة، أو الإقليم. وهذا يقودنا إلى التفرقة بين الأمن الوطني و أمن الدولة من جهة، وأمن الحكومة من جهة أخرى، وهي تفرقة غير واضحة في الدول الشمولية، حيث تتماهى الحكومة فتختلط بالأجهزة الدائمة للدولة، بل وأحياناً مع الوطن نفسه مما يلزم معه التمييز بين كل ذلك.
أمن الدولة وأمن النظام
الدولة هي الأجهزة الدائمة التي تمارس السيادة على الإقليم. ممارسة السيادة على الإقليم يتطلب في مقولة تنسب لويبر، أن تحتكر ممارسة العنف القانوني أو الترخيص بممارسته. وهذا يعني أن أي عنف لا تمارسه الدولة ولم ترخص عن طريق القانون ممارسته يعتبر سلوكاً غير مشروع. والسبب في ذلك أن الدولة مسؤولة عن حفظ الأمن وتنفيذ حكم القانون داخلياً، والدفاع عن استقلال الدولة وسيادة أراضيها ضد المهددات الخارجية. لذلك فإن القوات النظامية التابعة للدولة، والتي تمارس العنف القانوني بواسطتها، هي من أهم مظاهر سيادة الدولة، وأي تدخل في تلك القوات بغرض الإخلال بقواعد الضبط أو الربط، أو استخدام تلك القوات في تحقيق أغراض غير التي أنشئت من أجلها، كإدخالها في الصراع السياسي على السلطة مثلاً، كل هذا يمس أمن الدولة وقد يمس الأمن الوطني، إذا كان مصدر التهديد خارجي، لأن التهديد الخارجى هو تهديد يمس استقلال الدولة بإخضاعها لإرادة أجنبية، في حين أن المهدد الداخلى هو اعتداء على سلطة الدولة وليس استقلالها.
والدولة حتى في سعيها لحماية أمنها تخضع لعدد من القيود المنصوص عليها في الدستور وفي القوانين الأخرى، والتي لا يجوز لها تجاوزها، لذلك فإن للدولة أن تحقق أمنها باستخدام الوسائل المتاحة قانوناً، لمنع لكل ما يهدد سلطتها القانونية بشكل غير قانوني. ومن حق الدولة، بل ومن واجبها حماية أمنها في هذه الحدود ولها أن تقيم الأجهزة التي تراقب النشاطات التي من شأنها تهديد أمنها، وأن تمنحها سلطات لضبط تلك النشاطات، ومنع الاعتداء على أمن الدولة، وكل ذلك في حدود القانون والدستور .
الحكومة من جهة أخرى هي الطاقم السياسي الذي يفوِّضه الشعب بشكل مؤقت إدارة الأجهزة الدائمة للدولة. الدستور يرسم حدود ذلك التفويض من حيث المدة والسلطات. وأمن الدولة بدوره يختلف عن أمن الحكومة، فالحكومة القائمة أيضاً لها أمن تعمل على المحافظة عليه، وهذا الأمن يهدف للمحافظة على بقائها في السلطة ومنع كل ما يهدد ذلك، والفرق أنه لا يجوز للحكومة استخدام أجهزة الدولة ولا القانون لحماية أمنها إذ أن بقاءها في السلطة رهين بقبول الشعب لذلك، وبالتالي فإن حماية أمنها يكون فقط من خلال وسائل سياسية ودعائية لإقناع الناخبين بصحة سياساتها، ولكن لا يجوز للحكومة أبداً أن تستخدم الأجهزة الأمنية لمنع مهددات أمنها، ففي ذلك خرق للقانون والدستور، وهو ما تورط فيه نيكسون حين أغمض عينه عن تجسس الأجهزة الأمنية على الحزب الديمقراطي أثناء حملة إعادة انتخابه في السبعينيات، مما أدى لاستقالته استباقاً لإجراءات عزله التي كانت سائرة على قدم وساق فيما عرف بفضيحة (ووترجيت).
المهنية وجمع المعلومات
وإذا كانت الحرب هي استمرار للسياسة الدولية بوسائل مختلفة فإن السياسة الدولية لا تخلو من استخدام وسائل عدائية قد تكون أشد فتكاً من الأعمال الحربية، لذلك فإن الأمن الوطنى يقتضي التحسب لذلك عن طريق جهاز متخصص، وهذا الجهاز في ظروف تعقيدات الصراعات الدولية يفترض أن يعمل فى سرية مطلقة، حتى لا يعرض علاقات الوطن الدولية للأزمات، وأن يتمتع بدرحة عالية من المهنية، لأن تعقيدات وتشابك العلاقات الدولية وتباين أنواع المهددات الخارجية، تحتاج لتخصصات في مختلف العلوم البشرية، كما ويتطلب الأمر أن يكون دوره الرئيس هو جمع المعلومات، وهذا لا يمنع من أن تكون له سلطات أخرى، ولكن عندما يتصل الأمر بخصوصية وحرية الأفراد، فإن ذلك يجب أن يكون ذلك تحت سلطة القضاء. وسننظر على ضوء ذلك على قانون الأمن الوطني كما يريده الدستور.
تفويض جهاز الأمن الدستوري
على ضوء كل ذلك فإننا نعتقد أنه لابد من قصر تفويض جهاز الأمن الدستوري على الأنشطة المتصلة، إما بتقويض استقلال البلاد أو الانتقاص منه، أو ما يهدد سلامة أراضيها، عن طريق نشاط سري مخالف للدستور، أو التورط في أعمال إرهابية، أو نشاط ذي طبيعة عسكرية في العمل السياسي، أو استخدام العنف في الأنشطة السياسية. ويجب أن يشمل التفويض استبعاداً واضحاً للتدخل في الحياة السياسية أو المدنية العادية، بحيث يُمنع جهاز الأمن من التدخل في أي نشاط سياسي سلمي ليس فقط حماية للحريات، مع مافي ذلك من أهمية، بل أيضاً حماية لأمن الوطن، لأن الوظائف التي يجب على الأمن القيام بها تتطلب مهنية فائقة ودراسة متخصصة، وشغله بمتابعة النشاط السياسي السلمي يصرفه عن مهمته الأساسية. لايجب أن يكون هنالك خلافاً حول عدم جواز تدخل جهاز الأمن في الأنشطة السياسية الحزبية السلمية ولا في أنشطة المجتمع المدني، لأن هذه الأنشطة هي التي تخلق المجتمع الديمقراطي، ولا يصح أصلاً الحديث عن الحرية طالما أن هذه الأنشطة غير مسموح بها أو إذا اعترف القانون بأي إجراءات تهدف للتضييق عليها أو مطاردتها.
سلطات الجهاز
بالنسبة لسلطات جهاز الأمن فإنني لا أرى ما يمنع من منح الأمن سلطات القبض والتفتيش بشرط أن تخضع ممارسته لتلك السلطات، كما ذهب مولانا عبد المجيد، لرقابة قضائية، بحيث لا يتم القبض أو التفتيش إلا بأمر قضائي، بعد تقديم بيِّنة مبدئية للقاضي المختص، عن وجود السبب المحتمل للاشتباه في تورط الشخص المعني في نشاط يخضع لتفويض الأمن، أو عن وجود بيَّنة تكشف عن نشاط يخضع لتفويض الأمن في المكان الذي المطلوب تفتيشه. على أنه في كل الأحوال يتم وضع المعتقل في أحد السجون العمومية، ويسمح له بمقابلة محاميه وأسرته. كما ويجوز منح الأمن سلطة الرقابة عن بعد لمدة محدودة، وتعني الرقابة بدون إخطار الشخص المراقب، وتشمل التصنت على مكالماته، ورسائله الإلكترونية، والوسائل الالكترونية الأخرى، كما يشمل تفتيش ما يخرج من منزله أو مكتبه من قمامة. ولكن ذلك لا يجوز إلا بأمر قضائي، وبعد إثبات السبب المحتمل، ولمدة محدودة لا تتجاوز الأسبوعين لا يجوز تجديدها ما لم تسفر الرقابة عن وجود بينات تؤكد الشبهة. وفي حالة انتهاء الفترة دون أن يسفر التفتيش عن بينة كافية لتوجيه اتهام، أو الاستمرار في التحري بالوسائل العادية، يتوجب على الأمن إعدام كل ما تم تحريزه من مستندات. ويكون للمشتبه فيه الحق في التعويض إذا تمت إخفاء أي معلومات عن القاضي تكون من شأنها منع صدور الأمر لو علم بها.
يتركز حديث المدافعين عن السلطات الحالية للجهاز في أن سلطات الجهاز الأمنية في السودان لا تفوق سلطات نظائره في المجتمعات الديمقراطية، وهذا غير صحيح. هنالك خلاف رئيس وهو أن تفويض الأجهزة الأمنية في الدول الغربية لا صلة له بالنشاط السياسي الحزبي ولا بأنشطة المجتمع المدني. كذلك فإن السلطات الأمنية تخضع لرقابة القضاء في تلك الدول، ولنلقي نظرة على ما جرى في بريطانيا في هذا القرن، حيث صدرت بعض القوانين الأمنية المقيَّدة للحريات
سلطة الاعتقال التحفظي في القانون الإنجليزي.
مررت الحكومة الإنجليزية على عجل عقب أحداث 11 سبتمبر، قانون الجريمة والأمن لعام 2001، وقد منح القانون وزير الداخلية سلطة اعتقال المشبوه في انتمائهم لمنظمات إرهابية دولية من الأجانب لوقت غير محدد لحين إيجاد بلد تقبل انتقالهم إليها، بعد أن تصدر شهادة بأن الشخص المعني يشتبه في أنه عضو في جماعة إرهابية دولية .أجاز القانون للمعتقل تقديم طعناً ضد ذلك القرار للجنة استئنافات الهجرة، والتي تتكون من قاضي محكمة عليا وقاضي هجرة وخبير أمنى . تسمع اللجنة الاستئناف في جلسات سرية ويجوز لها أن تسمع بينات في غيبة المتهم ومحاميه. تمت إجازة القانون بعد أن أخطرت بريطانيا المجلس الأوربي لحقوق الإنسان برغبتها في عدم التقيد الصارم بأحكام المادة الخامسة من العهد الأوربي لحقوق الإنسان، وهي المادة المقابلة للمادة 29 من الدستور السوداني والمتعلقة بالحق في الحرية الشخصية والأمان. في رده على ذلك الإخطار ذكر السكرتير العام للمجلس ب ولتر شويمر، أن كل الإجراءات المتخذة ضد الإرهاب يجب أن تكون متناسبة مع الخطر ومتوازنة "يجب علينا أن نتفادى الوقوع في الفخ الذي ينصبه الإرهاب بالنسبة للديمقراطية وحكم القانون ".
التهديد الحقيقى لحياة الأمة يأتي من مثل هذه القوانين
أقام عشرة من الأجانب الدعوى المعروفة باسم أ و آخرين ضد وزير الداخلية للطعن في قرار لجنة الاستئنافات الهجرة والتي قضت بإبقاء العشرة رهن الاعتقال لحين إبعادهم من البلاد لخطورتهم .قررت محكمة مجلس اللوردات أن القانون يخالف الأسس الدستورية المتصلة بحقوق الإنسان وأصدرت المحكمة إعلاناً بعدم التوافق بموجب المادة الرابعة من قانون حقوق الإنسان. رفض اللورد هوفمان، في ذلك الحكم أن الحالة تبرر الانتقاص من الحريات المنصوص عليها في العهد الأروبي لحقوق الإنسان. وذكر " أنا لا أقلل من قدرات مجموعات الهوس على القتل والتدمير، ولكنهم لا يهددون حياة هذه الأمة . لقد كانت قدرتنا على البقاء غير مؤكدة تحت التهديد النازي، ولكننا نجحنا في البقاء، أما الآن فليس هنالك شكاً بأننا سنتجاوز تهديد القاعدة. لم يقل الشعب الأسباني أن ما حدث في مدريد – رغم فظاعة تلك الجريمة – يهدد حياة الأمة الإسبانية. لم تسمح لهم عزة نفسهم الأسطورية القول بذلك . إن العنف الإرهابي رغم جدية الخطورة التي يسببها لا يهدد مؤسسات الحكم لدينا ولا وجودنا كمجتمع مدني . لذلك فإننى أرى أن لجنة استئناف الهجرة قد أخطأت ويجب أن نقبل هذا الاستئناف . يرى الآخرون من قضاة هذه المحكمة قبول الاستئناف ليس لأنه لا توجد حالة طوارئ تهدد حياة الأمة، بل لأن سلطة اعتقال الأجانب دون المواطنين هي سلطة غير عقلانية وتمييزية . أنا أفضل أن لا أبدي رأياً في هذه النقطة . فأنا لا أريد أن يظن أحد أن كل ماهو مطلوب هو أن تمتد سلطة الاعتقال إلى مواطني المملكة المتحدة. في تقديري أن هذه السلطة بأي شكل لا تتوافق مع دستورنا .التهديد الحقيقى لحياة الأمة لا يأتي من الأعمال الإرهابية، بل من القوانين التي هي على شاكلة هذا القانون . مثل هذه القوانين هي أكثر ما يمكن للإرهابيين أن يحققوه . إن على البرلمان أن يقرر ما إذا كان يرغب أن يحقق للإرهابيين هذا النصر ".
سلطة الاعتقال في قانون منع الإرهاب سلطة قضائية
كنتيجة لذلك الحكم أسرعت الحكومة بتقديم قانون منع الإرهاب كان سمته الأساسية ما حذَّر منه لورد هوفمان، وهو مد سلطة الاعتقال للمواطنين، ولكنه أحاطها بضمانات عديدة . منح القانون وزير الداخلية إصدار أوامر وضع تحت السيطرة control orders إذا توافرت لديه أ. شبهة معقولة في أن الشخص المعني قد تورط أو متورط في نشاط له صلة بالإرهاب أو ب . إذا رأى لسبب يتصل بحماية أشخاص من الجمهور أن يصدر أمراً يفرض فيه التزامات على شخص ما. وهنالك نوعين من الأوامر أوامر لا تتصل بعدم التقيد بالمادة الخامسة من العهد الأوربي لحقوق الإنسان Non derogatory والثانية تتصل بذلك الإعلان Derogatory . والأوامر المقيدة التي لا تنتقص من حقوق الإنسان يمكن لوزير الداخلية إصدارها بعد أن يطلب من المحكمة العليا الإذن بإصدار الأمر وياخذ الموافقة على ذلك ولا يجوز للمحكمة أن ترفض منحه الإذن إلا إذا كان الأمر معيباً بشكل ظاهر. وإذا منحت المحكمة للوزير الإذن فإنها تأمر بسماع الطلب بأسرع وقت بحيث تتيح لمن صدر في مواجهته الأمر إثبات أن الأمر معيب بشكل ظاهر .أما الأوامر التي لا تتفق مع حكم المادة الخامسة من العهد الأوربي لحقوق الإنسان (الحق في الحرية الشخصية ) والمقصود بها أوامر الاعتقال بشكل أساسي فإن سلطة إصدارها ليس للوزير، بل لقاضي المحكمة العليا بناءً على طلب يقدمه وزير الداخليه وهو ملزم بالإضافة إلى وجوب امتناعه عن إصدار الأمر إذا كان الأمر معيباً بشكل ظاهر فإنه يجب عليه أن يقتنع بأن العمل الإرهابي المراد منعه يتصل بالسبب الطارئ الذي صدر بموجبه قرار تعليق المادة الخامسة. حتى الأن لم تصدر أوامر وفق قرار عدم التقيد Derogatory وقد ألغي القضاء عدداً من أوامر التحديد الرقابية المتقيَّدة بأحكام المادة الخامسة منها أمر بإبقاء ستة أشخاص في منازلهم لمدة ثماني عشرة ساعة، يومياً، لأن ذلك يرقى للاعتقال المنزلي والذي يتعارض مع المادة 5 من العهد الأوروبي لحقوق الإنسان.
قياس مع الفارق
مجمل القول هنا هو أن المملكة المتحدة التي نزعم أننا نحذو حذوها لم تصدر هذه القوانين التي بدأت بقانون الجريمة والأمن العام لعام 2001 باعتبارها قوانين تتماشى مع تقاليدها الديمقراطية، بل هي أصدرتها وهي عالمة بأن بعض الإجراءات التي حوتها تخرق تلك التقاليد، ولذلك فلم تصدرها إلا بعد أن قررت تعليق التزامها بالمادة الخامسة من العهد الأوروبي لحقوق الإنسان وقرار البرلمان الإنجليزي بذلك هو بمثابة إعلان حالة الطوارئ بموجب المادة 211 من الدستور. الثابت هو أن حالة الطوارئ غير قائمة في السودان والذي تحكمه المبادئ الدستورية العادية والتي تشتمل على نفس الحقوق الواردة في المادة الخامسة من العهد الأوربي . السؤال هو إذا كانت سلطة الاعتقال الممنوحة لقاضي المحكمة العليا بطلب من وزير الداخلية في القانون الإنجليزي لم يتم تشريعها إلا بعد تعليق أحكام دستورية في المملكة المتحدة وهي أحكام مازالت قائمة وملزمة في الدستور السوداني، ألا يدل ذلك على أن السلطة الممنوحة لجهاز الأمن باعتقال يقرره لنفسه لا يخضع لرقابة قضائية مخالف للدستور؟.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.