بدأ العد التنازلي للتوقيت الذي قطعته الادارة الأمريكية على السودان لاستيفاء بعض الاشتراطات بغية الوصول الى الرفع الكلي للعقوبات المفروضة على السودان. لثلاثة عقود من الزمان...كانت تلك الاشتراطات بمثابة «عربون» يجب على الخرطوم ان تدفعه للادارة الأمريكية لاتخاذ خطوات ايجابية تقود الى «فك الطوق» عن الشعب السوداني بمعاناة وأوضاع اقتصادية ضاغطة كان السبب الاساسي فيها الحظر الأمريكي على السودان....لكن الان تبدلت الاحوال...وتنقلت الحكومة بين محاولات عديدة لكسب رضاء المجتمع الدولي بمفاوضات وبحث الحلول للخلافات الداخلية.. الى الوصول الى الحوار الوطني وتنفيذ مخرجاته اولها حكومة وفاق وطني بمشاركة الجميع...تتجه الانظار الان صوب الثاني عشر من يوليو وهو الوقت الذي حددته الادارة الأمريكية كسقف زمني على الخرطوم لانجاز مطلوبات المسارات الخمسة... كيف يمكن قراءة السيناريوهات المحتملة... وما هي الحسابات والمعطيات التي ستبني عليها إدارة ترمب قرارها النهائي حول مسألة العقوبات؟ تغير مواقف... على الجانب الاخر بدأت كذلك الخطوات العملية لمرحلة المقبلة وهي الآليات الأمريكية لاستقبال مرحلة جديدة في العلاقة مع الخرطوم...بتهيئة اللوبيات التي كانت تناهض اي عملية تقارب بين واشنطنوالخرطوم... انتقلت الان الى مربع استوعبت فيه القرار الخاطئ بفرض العقوبات وفائدة كان يمكن الاستفادة من موارد السودان..لكن الان وصلت الشركات الأمريكية الى استراتيجية مد جسور التواصل وحركة للاقتصاد السوداني...شكلت استجابة الخرطوم للاشتراطات محفزا اساسيا لتغيير وجهة واشنطن في العلاقة .. اكد عدد من المراقبين أن توقعات الخرطوم ترتكز على خيار واحد هو الذي تنتظره بتعزيز قرار إدارة أوباما في خواتيم أيامها بتحويل الرفع الجزئي والمشروط والمؤقت للعقوبات الأمريكية إلى رفع شامل ودائم....خاصة بعد تنفيذها لما يليها من تعهدات فيما يخص المسارات الخمسة سواء على صعيد أجندة التعاون في محاربة الإرهاب... ومكافحة الهجرة غير الشرعية على أوروبا... والمساعدة في اخماد نيران حرب دولة الجنوب والعمل على حسن الجوار... و على صعيد الأجندة الداخلية فيما يتعلق بموافقتها الكاملة على المقترح الأمريكي في الشأن الإنساني لإغاثة المتضررين في مناطق الحرب... واستعدادها للجلوس للتفاوض مع الحركات المسلحة حول ترتيبات وقف إطلاق النار الدائم....والدخول في المفاوضات السلمية النهائية. خطوات استراتيجية.. الناظر للأوضاع بموضوعية يجد ان السودان حظي بخطوات استراتيجية ضخمة نحو توحيد الإرادة السياسية الوطنية والدبلوماسية... لتثبيت الدعائم المشتركة وتقوية اعمدة الالتقاء والتوافق بين مكوناته المختلفة...بغية الوصول بخطوات رشيقة حول ما يدور في الوسط من دول تسعى لخلق ازدواجية في المعايير بشأن الاشتراطات الأمريكية الاخيرة لرفع العقوبات كلياً عن الخرطوم التي عاشت أوقاتا صعيبة وقاسية شهدت مدى الحرمان والعصف الدولي الذي فرض عليها، بسبب بعض الشعارات وبعض الصور المجازية التي ألحقت باسم السودان لعنة «الارهاب» وتداعياته الخانقة..... ومن المؤكد ان يجد المتابع ان السودان قد اختط لنفسه استراتيجية لرفع العقوبات الاقتصادية الأمريكية أحادية الجانب عنه... وقد تسفر بالفعل هذه الاستراتيجية عن صدور أمر تنفيذي برفعها.... فإنه وبالتزامن مع تلك الاستراتيجية اختط استراتيجية موازية يضمن بها رفع اسمه من قائمة الدول الراعية للإرهاب.... بيد إن السودان يعد نفسه قبلاً بإنه لم يكن داعماً للارهاب في يوم من الايام... فيما مازالت المعايير التي استندت إليها الولاياتالمتحدةالأمريكية في وضع اسم السودان على هذه القائمة محل شكوك ومغالطات دائم. متغيرات إقليمية... يرى البروفيسور حسن الساعوري المحلل السياسي واستاذ العلوم السياسية في حديثه ل«الصحافة» ان الادارة الأمريكية الحالية مختلفة تماماً عن الادارات الاخرى... أولاً ان الرئيس ترامب خاض حملته الانتخابية بتمويله الخاص دون ان يعتمد على اية جهة أخرى من المجموعات واللوبيات الأمريكية التي ظلت تلعب دوراً كبيراً ومؤثراً في القرار الأمريكي... وبالتالي لا يعاني من اية ديون او ضغوط من هذه اللوبيات... وهذا ما جعله اكثر حرية من الآخرين في اتخاذ قراره دون الاستماع للوبيات الأمريكية... ثم ان هذه اللوبيات نفسها اختلفت اهتماماتها بالسودان... فهي في السابق كانت تريد فصل الجنوب وتحقق لها ذلك... مؤكدا وجود متغيرات محلية واخرى اقليمية يمكن ان يكون لها تأثير فاعل في رفع العقوبات عن السودان.. فالمحلية هي قضية الحوار الوطني ومخرجاته واشراك الآخرين في السلطة... وبالتالي اصبحت الحكومة الحالية وفاقية اكثر من الحكومات السابقة... اما المتغيرات الاقليمية فتؤكد معطياتها ان المملكة العربية السعودية لعبت دوراً كبيراً في صدور القرار الأمريكي السابق والخاص برفع العقوبات عن الخرطوم... والحقيقة ان الحكومة السودانية قبل ذلك لم تجد من يقف معها من دول الخليج في قضاياها الدولية، فكانت شبه معزولة في محيطها الاقليمي. مشاركة الجهود الدولية... وبالمقابل نجد ان مشاركة السودان في الاحلاف التي أنشأتها المملكة العربية السعودية لاتقل اهمية مما قدمته السعودية لها..حيث مثل اعادة الشرعية في اليمن بمشاركة فاعلة أثبت من خلالها درجة التحول القصوى التي بدأها السودان في التعامل مع القضايا الكبرى في محاربة الإرهاب بوضع يده على الجهود الدولية... وقد شهدت له دول الحلف وراعيتها الولاياتالمتحدةالأمريكية التي باركت الخطوة... وساهمت في توجيه ضربات للجانب الآخر الذي تقوده ايران حيال أزمة المساعدات الانسانية التي ظلت تحاربها طهران... وهذه الخطوة وفقاً لاستاذ العلوم السياسية ادم محمد أحمد فإنها ستصب في اتجاه رفع العقوبات لو أن السودان استطاع أن يطرق عليها باستمرار وإسماع صوته للعالم الآخر الذي يقف من وراء الحجب ويطلق أذنيه للافادات الاعلامية وما تنقله الدوائر الاخرى... والسودان قدم في هذه الحرب خيرة أبنائه الذين دفع بهم في تلك الاصقاع لأجل مهمة وطنية في المقام الأول...ولا ينبغي أن يضيع هذا الجهد عبثاً... إذ أن كل هذه المعطيات تشير بجلاء إلى اقتراب أن ينال السودان الاستحقاق الكامل في إنجاز الشروط الدولية ... ورغم ذلك تنشط دوائر كثيرة ذات أجندة خاصة... غير مستوفية شروط النظر في مثل هذا الأمر.. تنادي بالابقاء على العقوبات على السودان... وتحاول الاستثمار في مثل هذه الأجواء والظروف التي تمر بها البلاد..اولها على الصعيد الداخلي الحركة الشعبية قطاع الشمال... على الرغم من الغموض الذي يحيط بهذا القرار «المصيري» الذي ينتظره السودان بفارغ الصبر... على المستوى الشعبي والرسمي، فإن ثمة حراك واسع واتصالات كثيفة بين الأطراف المعنية تسابق الزمن لموافاة استحقاقات المسارات الخمسة المعلنة أمريكياً لاختبار مدى تجاوب الخرطوم معها، ومع الاجتماعات الدورية التي تجري في الخرطوم بين مسؤولين أمريكيين ونظرائهم السودانيين... فثمة حراك متسارع يجري أيضاً خارجياً لمخاطبة الأجندة المتبقية ومحاولة سد الثغرات والقضايا التي لا تزال عالقة...