يبدو أن تأخر إنشاء مفوضية الفساد وتطبيق قانون التحلل للمؤسسات الحكومية مثل اغراءً لبعض الجهات للاستمرار في التعدي على المال العام، فقد بلغت جملة المال المعتدى عليه في الفترة من 2013 وحتى 2017 اكثر من 15مليون جنيه وبزيادة تقارب مليون جنيه للعام المالي 2016 -2017 مقارنة بالعام المالي الذي قبله ويتأرجح انخفاض التعدى على المال بشكل طفيف في عقد المقارنة بين الأعوام المختلفة. ويظهر الجدول أدناه الاعتداء في الأعوام المذكورة. تفسير غياب التجنيب: ويرى المحلل الاقتصادي د.عبد العظيم المهل في حديثه ل(السوداني) أمس، أن المراجع العام ظل يؤدي دوره سنويا بكشف الاعتداء على المال العام، إلا أنه وبالرغم من ذلك يمثل حوالى 10 % من المال، وأضاف: لابد من حوسبة كافة الأنظمة واستخدام الدفع الالكتروني في كل المعاملات، واشار إلى التجربة الهندية في هذا الجانب مما أدى إلى انخفاض كبير في الاعتداء على المال العام. وقال إن حوسبة الأنظمة تضيق الفرصة للمرتشي لمقابلة الراشي، وتشمل درجة عالية من المساواة، اضافة إلى عدم وجود مجال فيه للمحاباة أو كبير على القانون. ويرجع المهل عدم ذكر المراجع للتجنيب في بعض السنوات لا يعني ذلك عدم وجود التجنيب ولكن يعني عدم وجود إحصائيات في تلك الفترة للتجنيب. جهات نافذة واضاف المهل أن المؤسسات والوزارات الحكومية النافذة هي التي تستطيع التجنيب فقط، واشار إلى أن تكرر بعض الجهات في الاعتداء المال العام لمختلف الاعوام يعود إلى انها جهات نافذة او أن بعضها تضطرها للتجنب. وفي حال توريد كل المبالغ إلى وزارة المالية يصعب خروجها للمؤسسة في حال حاجتها للمبالغ المالية. ويلفت المهل إلى أن حجم الاعتداء على المال العام في الفترة من 2005 -2015 بلغ 399 مليون جنيه، واضاف أن هنالك علاقة عكسية بين حوسبة الأنظمة والدفع الالكتروني من جانب والفساد من جانب آخر، ما يفسر انه وحتى بعد استخدام اورنيك 15 الالكتروني لم يقل الفساد مما يعني أن هنالك خللا في التطبيق. واشار إلى أن اكثر ما يؤخذ على المراجع العام انه لا يتم متابعة ما يكشفه من حقائق في التقرير السنوي. تطور الجريمة ويلفت المحلل الاقتصادي محمد الناير في حديثه ل(السوداني) أمس، إلى أن وجود التحصيل الالكتروني لا يمنع أن تكون هناك رقابة واسترداد للاموال المعتدى عليها خاصة مع تطور الجرائم كثيرا عن السابق، واضاف: نظام التحصيل الالكترونى يحد من الاعتداء على المال العام والتزوير باعتبار أن هناك اموالا كبيرة كانت تفقدها الدولة خاصة في الولايات البعيدة، وتابع: لابد أن تتم معالجة اي ممارسات غير صحيحة في التحصيل الالكتروني والقضاء على الاعتداء على المال العام وليس الحد منه واسترداد الأموال فقط بجانب انزال عقوبات مشددة على الذين تسول لهم أنفسهم الاعتداء على المال العام وايراد كافة العقوبات التي اتخذت ضد المعتدين وان تكون نسبة الاستيراد عالية بما يظهر كفاءة الأجهزة المعنية. وارجع الناير تزايد عمليات الاعتداء لغياب مفوضية مكافحة الفساد والتي يفترض أن يتم تكوينها كنتيجة للحوار الوطني . دراسات فساد وتشير احدى الدراسات المقدمة لنيل درجة الدكتوراة من جامعة السودان عن الفساد 2001 -2012 الى أن اكثر الحالات تتفشى بين الأجهزة القومية والولايات والمؤسسات القومية والشركات الحكومية حيث أن نسبة الفساد بلغت في العام 2008(91)% للشركات الحكومية والولايات1% والحكومة القومية 9% فيما بلغت في العام 2012 4% للمؤسسات القومية والشركات والولايات 33% منها 80% خيانة أمانة و8% تزوير و12% صرف دون وجه حق وأن نسبة الاسترداد بلغت فقط 10% من المبلغ المعتدى عليه. ويرى رئيس منظمة الشفافية السودانية د. الطيب مختار أن وجود ديوان للمراجعة ايجابي خاصة انه يقدم تقاريره أمام البرلمان ويطلع عليها الرأي العام. وتابع "يفترض أن تكون لديه الاستقلالية الكاملة والسلطة والصلاحيات التي تمكنه من انفاذ توصياته وان يكون البرلمان سندا قويا لأجهزة المراجعة لتتمكن من اداء مهامها بالصورة المطلوبة". ولفت إلى أن تكرار بعض الجهات في تقرير المراجع العام بالتعدي على المال العام يشير إلى حد ما إلى ضعف استقلالية ديوان المراجع. وقال "من المهم جدا أن يقدم ديوان المراجعة تقاريره مصحوبة بملاحظات الوحدات التي يراجعها باعتبار أن هذه الملاحظات قد تدحض تقارير ديوان المراجعة بالقانون وتؤكد مدى جدية هذه التقارير من عدمها". واعتبر أن هذه المرحلة لتأكيد مصداقية ديوان المراجعة وبعده عن المحاباة لأي وحدة من الوحدات والتزامه بالقانون والإجراءات المتبعة في رفع التقارير بجانب تأكده من أن الكوادر التي تشغل الوظائف بديوان المراجعة مقتدرة وملتزمة بقسم المراجع في الحيادية وعدم اساءة استخدام السلطة. التحلل واضاف مختار أن التحلل يزيد من فرص الاعتداء على المال العام، مردفا أن عملية التحلل وحدها لا تكفي ولابد أن تعقبها محاكمات خاصة لعدم وجود ضمان بأن المال المتحلل منه هو كل المال المعتدى عليه. وشدد على تسريع تكوين مفوضية مكافحة الفساد خاصة أنها ستكون لها رقابة حتى على ديوان المراجعة وغيره من المؤسسات، علما بأن قانونها أجيز منذ أكثر من عام. ولفت إلى أن تأخير تكوين المفوضية يؤدى إلى تراجع السودان في قائمة مؤشر مكافحة الفساد الذي تصدره منظمة الشفافية الدولية بالرغم مما أحرزه السودان من تقدم في القائمة في العامين الماضيين. وتابع "حتى لا يتم تصنيف السودان من ضمن الدول التي تأخرت في مكافحة الفساد في العام 2017 لابد من تشكيل مفوضية مكافحة الفساد واللحاق بالتقرير الدولي حول الفساد والذي ينشر في آخر ديسمبر أو الأول من يناير المقبل.