ليس بالضرورة أن يجتمع النَّاس في منتدى أو ورشة عمل، ليقدموا نصيحة أو يشيروا إلى أمرٍ خطير، ذلك لأن شروط النصيحة تأتى في أولها المبادرة لتلافى الخطر والإسراع قبل وقوع الكارثة وحلول المصيبة. فإذا اشتعلت النيران في منزل، أو أنها في طريقها إلى الاشتعال فالأمر هنا لا يحتاج إلى أن يتداعى النَّاس جميعاً لاتخاذ قرارٍ والتداول حول السبل الكفيلة بتجنب ما سيُحدثه الحريق من إتلاف. والنصيحة كذلك لا تحتمل الإرجاء والساكت عنها إن كان فرداً أو جماعة، فهم جميعاً يوضعون في موضع الشياطين الخرس، وتتلبسهم الخيانة من أخمص الأقدام وإلى أعلى الرءوس. وعلينا ألا ننسى المرجعيات التى تدلنا على بذل النصح لإخواننا، لأن من يرى منكراً ، عليه أن يغيره، وفي وضعنا الحاضر، الذى لا إنكار فيه للمرجعيات، التي فقط تحتاج إلى عنصر التذكير، فإن إزالة المنكر، والتبُّين من أن جماعة منا قد انزلقت عن طريق الجادة، يلزمنا بالكتابة أو الإفصاح باللسان، مادام الجميع يؤمنون بقواعد إزالة المنكر ولا أحد منا يتجاسر مدعياً أن النصيحة توجب أن تنعقد لها الاجتماعات أو تنظم المؤتمرات. ونصيحتنا التي نسوقها لوجه الله، هي أن نفتح قلوبنا وآذاننا بلا تحقير لكلمة الحق، التي تأتي من البسطاء والبررة حتى وإن لم يتمتعوا بعضوية في هيكل حزبي، أو تنظيم سياسي، وأن نضع في اعتبارات الإيمان لدينا بأن رُبَّ أشعث، أغبر، لو أقسم على الله لأبره. وهناك فرق كبير بين الذين يتظاهرون بالنصح لحاجة في نفوسهم، وهؤلاء هم الذين يتبنون الحق لكنهم يريدون به باطلاً، وبين الذين تنطلق نواياهم صافية كصفاء ماء البحر، استهدافاً لدرء المخاطر، وتجنب حدوث مالا يحمد عقباه. والعاقل من يميز بين النصيحة في ثوبها الأبيض، ومن يدعيها وهو يحمل القلب الأسود والحقد الدفين. ويكفينا في هذا الزمان أنَّ الفصل بين الحق والباطل لم يعد يحتاج إلى كثير جهدٍ، لكنه بالضرورة يتطلب الوعي، وتحكيم العقل، والابتعاد عن الظن لتستبين لنا معالم الطريق، شريطة عدم ركوب الصعب، والإصرار على رأي يفتقر إلى الحكمة، وينزع نحو الاستبداد. ومادمنا نتحدث عن عناصر النصيحة والناصحين، فإن قضايا عديدة تضطرم في ساحتنا السياسية، تحتاج إلى من جردوا أنفسهم، وتحلوا بالشجاعة ليفصحوا بكلمة الحق، دون مداهنة أو مزايدات. ومن تلك القضايا، قبول الرأي ولو أتى من أشعث أغبر ذي طمرين، وكذلك فتح القنوات للكافة وعدم السماح لمن يقفون بجسارة ليمنعوا النصيحة حتى لا تسري، وتصل إلى من يحتاجون إليها. ومن هم أولى بالاستماع إلى النصيحة، هم أولئك الذين وضعت على كاهلهم مسؤولية أمة، ومصلحة شعب، لأن المصلحة العامة تقدَّم على الخاصة، والضرر العام يُدفع بالضرر الخاص، ولا يتسنى تطبيق هذه القواعد إلا إذا وضعنا النصيحة في مقدمة سلم الأولويات والأهميات.