أولاً أن تأتي الصحف بعناوين لخبر واحد تشير إلى أن حكومة جوبا تراجعت عن قرارها القاضي بإغلاق آبار النفط، فإن هذه الإشارة لم تكن على وجه الدقة؛ لأن هذا يستبق توقيعاً مرتقباً على اتفاق تجاري بينها وبين حكومة الخرطوم، وقد جاء في الخبر أن جوبا قد استعدت لتصدير نفطها عبر السودان «حالما توصل الجانبان إلى اتفاق تجاري».. وقد لا يتوصلان بسبب نهج الحركة الشعبية الذي درجت على التعامل به في المفاوضات السابقة مع المؤتمر الوطني.. وآخرها مفاوضات أديس أبابا التي تراجعت فيها عن التوقيع على اتفاق بشأن حقوق السودان في عبور نفط دولة جنوب السودان، ويمكن أن تتراجع في جلسة المفاوضات اللاحقة.. الحكومة السودانية برأي وزير المالية علي محمود تعتبر إغلاق آبار النفط في دولة جنوب السودان تكتيكًا لتقوية موقفهم التفاوضي. لكن السؤال هل ما يدخل دولة جنوب السودان في أزمة حادة جداً يمكن أن يصلح تكتيكًا لتقوية الموقف التفاوضي؟! حكومة جوبا الآن تستعد للتراجع عن قرار إيقاف النفط، فهل جنت ما تريده من القرار إذا كان بالفعل من باب «التكتيك»؟! أي هل ستستعد حكومة الخرطوم بعد استئناف التفاوض لتقديم تنازلات قاسية حتى لا تقرر حكومة جوبا إيقاف تصدير النفط وقبل ذلك إنتاجه من جديد؟! كنا قد قلنا ربما السبب الذي وقف وراء قرار إغلاق آبار النفط هو مؤامرة استثمارية لتبديل الشركات الصينية بشركات أمريكية وصهيونية، ومعلوم وجود المستشارين الأمريكان في الجنوب وأبرزهم روجر ونتر، ومعلوم قصة زيارة سلفا كير إلى إسرائيل واستنجاده بإسرائيل، وكل هذه الظروف الاقتصادية الجديدة للدولة الجديدة، يمكن قراءتها من خلال تصريح لشخصية جنوبية كبيرة هو كلمنت جمعة رئيس حزب جنوب السودان المتحد حيث قال: «حكومة جوبا لن تتيح الفرصة للشركات الصينية للعمل حيث يتردد ما يشير إلى إبعادها من دولة جنوب السودان».. انتهى، لكن هل الصين ستتجاوب مع هذا التآمر من أجل أمن وسلامة رعاياها العاملين في حقول النفط؟! في تقرير نشره موقع سودان سفاري جاء أن الصين «تفكر في ابتعاث موفد إلى جوبا لتأكيد لهجتها الحادة بتهديد حكومة جنوب السودان بأن بكين قد توقف التعاون النفطي مع جوبا في حال استمرار عمليات تهديد أمن وسلامة العاملين الصينيين في حقول النفط بولاية جنوب كردفان السودانية، وقد أجرى مسؤولون كبار مع جوبا اتصالات بهذا الشأن».. انتهى. إذن يتضح أن قرار إيقاف النفط، ثم اشتراط التراجع عنه بالوصول إلى اتفاق تجاري.. والتعرض لأمن وسلامة العاملين الصينيين من قبل قوات تابعة لحكومة جوبا، يتضح أن كل هذا يخدم قضية لا علاقة لها بدولة الجنوب ولا شعب الجنوب غير مصلحة قادة الحركة الشعبية المتصلة ببقائهم في السلطة وسط تحديات الثوار وحالة الرفض والمعارضة من بعض القبائل المستاءة من الحركة الشعبية. وإذا كنا قد قلنا إن قفل آبار النفط ربما يكون لإبعاد الشركات الصينية كما يوافقنا كلمنت جمعة واستبدالها بشركات أمريكية وإسرائيلية بعد إعلان التطبيع المبكر للدولة الجديدة مع إسرائيل، فإن التراجع عن القرار بإيقاف إنتاج النفط يبقى مرهونًا بالوصول إلى اتفاق قد لا يحدث هذا، لكن إذا حدث فهذا يعني أن ثمة تغيير ضروري من الناحية الأدبية في سيناريو المؤامرة مؤامرة إبعاد الصينيين واستبدالهم بأمريكان وصهاينة في مرحلة ما بعد الانفصال ويبقى السؤال بعد ذلك هو كيف يمكن أن يكون «السيناريو الجديد» للمؤامرة؟!. ربما يكون بنسف الأمن والاستقرار في محيط مواقع إنتاج النفط، وها هو استهداف الصينيين في جنوب كردفان كأنه يعني رسالة للشركات الصينية لكي تغادر السودان بسبب عدم الاستقرار الأمني وتغادر دولة جنوب السودان بسبب إغلاق آبار النفط إذا لم يتم الاتفاق، فلا يمكن أن تستهدف حكومة جوبا الصينيين داخل الجنوب.. وإذا تم «الاتفاق» مع الخرطوم يمكن استهدافهم داخل الجنوب تحت غطاء.