العلاقة بين السلوك الخلقي والسلوك السياسي كالعلاقة بين وجهي العملة الواحدة لا يُستغنى بأحدهما عن الآخر فلذلك اهتمت الدول المتقدمة بأهمية السلوك الخلقي للسياسي في الترشيح للمناصب الدستورية والتنفيذية وهم يمارسون قاعدة فقهية هي عملية الجرح والتعديل، لأن الإسلام له منهجيته في تقويم الأفراد، فما من أحد إلا وهو خاضع لهذا المنهج المبني على ميزان الأخلاق والتقوى والخوف من الله وعفة اليد واللسان وحسن النية والتجرد والشفافية والورع والبعد عن مواطن الشك والريبة والظن. إن الكثير من السياسيين في الغرب قد اختفوا من الحياة السياسية بل والحياة العامة لعدم انضباط سلوكهم الأخلاقي مثل وزير الدفاع البريطاني «بروفيمو» الذي كان على علاقة بسكرتيرته التي يظن أنها كانت تعمل لصالح المخابرات الروسية وأنه كذب في شهادته والأمثلة كثيرة في الغرب الذي يلقننا دروسًا لا نعمل بها فما سمعنا في عالمنا الثالث بسياسي طلب مغادرته الحياة السياسية لسلوكه الأخلاقي أو لكذبه أوخيانته للأمانة أوغير ذلك بل ربما تكون السلوكيات الأخلاقية من المؤهلات المرشحة للبعض لأن الربط بين وجهي العملة مفقود في ثقافتنا السياسية. إن الأخلاق هي الروح التي ترتقي بالسياسي في سلم الكمال والشفافية والصدق والأمانة والتضحية والبذل والتقوى والخوف من الله فإذا فقدت هذه الروح كان الهوى هو مصدر الأفعال والإسفاف والتبذل والميوعة والخلاعة والضعف والانهزام ولعل هذا ما عناه الكتور «عبد الله الطيب» في بيته: يقولون لي هلا بقيت على الحمى حمى العلم إن العلم أكرم منزل فقلت: وأين العلم ليست دياره هنا ها هنا دار الخنا والتبذل كثير من القادة السياسيين يطالبون بالتوافق على اجندة سياسية وبرامج يتفقون عليها غير أن أحدًا لم يطالب بالتواضع على ميثاق أخلاقي يحكم الجميع ويضبط السلوك ويلزم الجميع بالتزام المنافسة الأخلاقية في الوصول الى الحكم وتداول السلطة واحترام حق الآخر في السعي والمنافسة واتباع الأساليب المشروعة في تحقيق الأهداف والبرامج، أما الذين يستخدمون كل الأساليب المشروعة وغير المشروعة مثل الاستنجاد بالأجنبي والاستقواء به والصاق التهم غير الصحيحة أو إعطاء معلومات يعلم أنها كاذبة؛ فإن هذا خيانة عظمى وانتحار سياسي يقتضي التقديم للعدالة والعزل المجتمعي والسياسي إلى الأبد كما هو سائر في العالم كله. الفساد السياسي يتجذر وينتشر في غياب السلوك الخلقي في الممارسة الديمقراطية حيث يمارس التزوير في إرادة الشعوب بل والتغييب لها واستخدام الوسائل غير المشروعة في فرض المرشحين عن الأمة ممن لا قبول لهم ولا كفاءة ولا سابق كسب مقبول بل قد يكونون من نكرات ما سمع بهم حتى أهل أحيائهم مع استعمال بعض الوسائل في ازاحة الكثير من أصحاب الكفاءة والاقتدار بحجة الانتماء والولاء والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: «من ولّى على عصابة وفيهم من هو أرضى لله فقد خان الله ورسوله «فكم من خيانة لله ورسوله والمؤمنين ارتُكبت في حق الأمة بسبب الولاء والانتماء ولو كان انتماء زائفًا بل قد يصل الأمر إلى استخدام القوة والعنف في سبيل الاستحواذ على السلطة والبقاء فيها. إن غياب الشفافية الخلقية في تقديم الأشخاص وتولي الولايات صغيرة أوكبيرة يدفع للمجتمع أناسًا ليسوا جديرين بالمناصب التي تقلدوها والمسؤوليات التي وكلوا لها والأمة التي يمثلونها لأن همهم محصور في تحقيق مصالحهم الذاتية وطموحاتهم الكسبية ثم يبذلون في سبيل تحقيق ذلك كله إلى احتكار مصالح وتوجيهها وفق ما يخدمهم لا ما يخدم أمتهم التي لم تفوضهم في شأنها ولم تطلب منهم أن يتولوا أمورها. التأثيرات كما قلنا متبادلة بين أنماط الفساد المختلفة التي تؤدي في النهاية إلى شيوع ثقافة تهميش الضمير والوازع الديني والخلقي اللذين يعصمان من الزلل والانحراف فلا يكفي أن يكون التدين وحده هو المقياس بل لابد من الأخلاق الذي هو انعكاس لمردود التدين في البشر ولذلك فرق الرسول صلى الله عليه وسلم بين التدين والأخلاق حين قال: إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه ...». إن الأحزاب التي شاخت وخرجت من شبكة السياسة والحياة العامة عليها أن تعد شبابها للقيام بما عجزت عنه أو أن الزمن قد تجاوزهم عمرًا وفكرًا ومقدرة وعطاء وفهمًا ومواكبة، تعدهم إعداد خلقيًا بتربيتهم على القيم الدينية والالتزام بواجباتهم نحو الله سبحانه وتعالى أولاً ثم وطنهم ثانيًا حتى تضمن تربيتهم على ورع يعصمهم من انتهاك الأخلاق والاستخفاف بالقيم لأن الأمين في دينه وخلقه أمين على الأمة ومقدراتها والدولة وممتلكاتها والناس وأعراضهم ومشاعرهم. وإنما الأمم الأخلاق مابقيت فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا إن الفساد الخلقي والتفكك القيمي والهزيمة النفسية وضياع الحياء كل ذلك يؤدي إلى أنواع الفساد الأخرى وحيث يضعف مقاومة النفوس الضعيفة للحرام والسرقة والرشوة والمحسوبية وهدفية الغاية بكل الوسائل الشريفة والحرمة. يطلب بعض الناس أدلة في إثبات الفساد وهل المفسدون من الغباء بحيث يتركون الأدلة التي تجرمهم وهل المفسد يرى فيما يقوم به فسادًا؟ أليس الخالق هو الذي قال عنهم: «وإذاقيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون» الفساد قد توجد له أدلة غير أن له دائمًا رائحة تزكم الأنوف وصوتًا يسمعه من لا يسمع ومنظرًا وعلامات لاتخطئها العقول السليمة والنفوس المطمئنة.