الآن علمنا أنه لم يحدث تهجير للأقباط من قرية شربات التابعة لحي العامرية بالإسكندرية. وتوفر لدينا دليل جديد على أن الفتنة الحقيقية صنعها وأجج نارها نفر من المتعصبين والمهيجين بين المثقفين والإعلاميين، على الأقل فتلك هي خلاصة خرج بها الوفد البرلماني الذي زار القرية يوم الخميس الماضي 16/2 واجتمع بممثليها من المسلمين والأقباط. وأصدر الجميع بيانا نشرته الصحف أمس (السبت) كشف عن الفضيحة التي لعب فيها إعلام التحريض والإثارة دورا خطيرا للغاية. كنت واحدا ممن صدمتهم أخبار «تهجير» الأقباط التي جرى الترويج لها والتنديد بها في وسائل الإعلام المختلفة طوال الأسبوعين الأخيرين على الأقل. وإذ أدهشني ما قرأت وسمعت فإنني سعيت إلى الاتصال المباشر بأطراف الموضوع لتحري حقيقة الأمر. وتمكنت من الاستماع إلى شهادات ثلاث منهم هم: السيد نادر مرقص عضو المجلس المحلي بالإسكندرية الشيخ شريف الهواري القيادي بالدعوة السلفية بالعامرية السيد أحمد الشريف عضو مجلس الشعب عن العامرية، وهو من ممثلي حزب النور السلفي. وكانت الخلاصات التي خرجت بها كما يلي: * أن المشكلة مرت بمراحل متعددة، إذ حين ذاع أمر الصور التي كشفت عن علاقة غير مشروعة بين خياط (ترزي) قبطي وامرأة مسلمة متزوجة، فإن ذلك أثار غضب أهالي القرية المحافظة فخرجوا قاصدين بيت الخياط للتنديد بفعلته، خصوصا أن مجتمع أهل القرية (خليط من العرب والصعايدة والفلاحين) يعتبر المساس بالعرض والشرف جرما أكبر من القتل. * في الطريق خرج إليهم لتهدئتهم كبير القبط في القرية خليل سليمان الشهير ب»أبو سليمان». وبينما هو يتحدث إلى الغاضبين صعد أحد أبنائه فوق بيت مجاور وأطلق بعض العيارات النارية في الهواء لتفريقهم، ثم صعد ابن آخر له وفعل نفس الشيء، وفي رواية أن إطلاق النار تكرر للمرة الثالثة. * في هذه الأجواء التي توترت جراء إطلاق النار استدعى أحد المسلمين سلاحه الآلي وحاول أن يرد، حيث يبدو أن الأعراف السائدة تعتبر إطلاق النار نوعا من الإهانة يستهدف تخويف الجمع المحتشد، إلا أن بعض السلفيين الذين ظهروا لحماية الأقباط أرادوا منع الرجل المسلم من إطلاق النار، وفي هذه الأثناء انطلقت من سلاحه رصاصات أصابت ثلاثة من المسلمين تبين أن أحدهم في حالة خطرة، وهو بين الحياة والموت الآن. * حين حدث ذلك انفلت العيار وتغير الاتجاه، فبعد أن كان الغاضبون يستهدفون بيت الرجل القبطي الذي أقام علاقة غير مشروعة مع السيدة المسلمة، فإنهم صبوا غضبهم نحو مصدر النيران التي أطلقت، وكانت بيوت «أبو سليمان» وبعض محاله ضحية ذلك، فأحرقت ونهب 3 شقق و4 محال تجارية، في حين ظل بيت الجاني الأصلي سالما. * في هذه الأثناء تولى شباب الدعوة السلفية وعناصر الإخوان حماية بيوت الأقباط ومحالهم. واتفق شيوخ القرية على عقد اجتماع لاحتواء الموقف يمثل فيه كل طرف بخمسة أشخاص، في مجلس عرفي. وهي الصيغة التي يلجأون إليها لحل المشكلات فيما بينهم، ولهذا المجلس تقاليد مستقرة، بينها إبعاد طرف النزاع من القرية بصورة مؤقتة أو دائمة خصوصا في حالات القتل، حيث يكون من شأن ذلك حقن الدماء، وفي واقعة أخيرة تقرر إبعاد شاب مسلم من أسرة أبوعقص لأنه قتل ابن عمه (الشقيقان عابد أبوعقص وأخوه ناجي والقاتل ابن الأول). * في الاجتماع اقترح القمص بقطر ناشد راعي كنيسة القرية إبعاد الترزي الذي أقام العلاقة مع السيدة المتزوجة، وطرح آخرون إبعاد أبوسليمان أيضا وابنيه اللذين أطلقا الرصاص لإرهاب المتظاهرين، وكان ابناه قد غادرا القرية خوفا على حياتهما، لكن الشيخ شريف الهواري كبير السلفية اعترض على ذلك، قائلا إن الرجل لا ذنب له، وولداه تحركا بدافع الخوف ولم يقصدا إصابة أحد من المتظاهرين. * لتهدئة الخواطر تمت استضافة أبوسليمان وولديه لدى بعض الأسر المسلمة المقيمة على حدود القرية، كما تم الاتفاق على عودة الرجل إلى قريته حين تتهيأ الأجواء لذلك، وكأن أبوسليمان قد أبدى استعدادا لترك القرية وتصفية أعماله فيها، ولكن جيرانه المسلمين أقنعوه بتغيير رأيه، بعدما تم الاتفاق على تعويضه وتعويض غيره عن أي أضرار أصابتهم جراء غضب المتظاهرين، الذين اختلطت بهم عناصر من المهيجين والعاطلين. * موضوع الجريمة الأصلية المتمثلة في العلاقة غير المشروعة بين الرجل والمرأة مصيره بين يدي النيابة وله مسار آخر. ماذا يقول المرء حينما تتبين له هذه الحقائق على الأرض، بينما إعلام الإثارة وأصوات المتعصبين والمهيجين تصيح وتولول منددة بتهجير الأقباط وإنزال العقاب الجماعي بهم؟ وفي مثل هذه الحالة هل نحتاج إلى طرف ثالث لكي يؤجج الفتنة ويخرب البلد؟