فتح المؤتمر الوطنى الباب الموارى أمام قضية تناقش باستحياء داخل الأحزاب السياسية السودانية ليس خوفاً من بطش السلطان فقط وإنما للحالة »البطريكية« الأبوية التي يلتف حولها المريدون والمنسوبون لبعض الأحزاب ولعل تشخيص الحالة الحزبية لكثير من التنظيمات التقليدية في السودان يكشف أنها أحزاب أصابها مرض الشيخوخة، ولعل الجمود الأبوي وعدم الانفتاح والوضوح وحالة الانسداد بين القيادة والقاعدة أدت إلى حالة التذمر والتمرد والانشقاق داخل الأحزاب ولم تسلم الأحزاب الحديثة والصفوية من تلك الحالة وربما المذكرات التصحيحية التي دفع بها بعض المنسوبين كانت تعبيرًا عن تلك الحالة المرضية ولهذا أيّد أمين حسن عمر في المنتدى الدوري الأول الذي نظمته أمانة الإعلام بالمؤتمر الوطني حول الإصلاح الحزبي أيّد عملية الإصلاح من منظور أنه ضد الثورة باعتبار أن الإصلاح هو وصل من انقطع من تواصل فكري بين أطرافها رغم الخلاف الظاهر الذي أبداه بعض المشاركين حول نقاط فكرية تم طرحها، ولكن يبدو أنه ألقى حجراً في بركة عميقة جعلت بعض الحضور بين مؤيد ومخالف يدعو إلى أن تتوسع الفكرة وتتبناها مركز دراسات وتناقش داخل الأحزاب لتحريك المياه الراكدة فيها للإسهام في عملية إصلاح الأحزاب. ولعل أمين عبّر عن قضية الإصلاح لأنها يبنى عليها مستقبل العمل السياسي بالبلاد لأنها قضية تحتاج إلى إصلاحات أخرى وهي قضية مستمرة وليست آنية لجهة أنها بالضرورة تقتضي الحديث عن الإصلاح باعتبار إذا كان هناك فساد يحتاج في المقابل إلى إصلاحه، بمعنى فشل الإصلاح يقود إلى الفساد الذي يحتاج إلى معالجة، ووصف واقع بعض الأحزاب السودانية حول قضية الإصلاح بأنها أحزاب »بطريكية، أبوية، لبرالية« منها قائمة على شخص ومنها على طائفة ومنها أحزاب أيدلوجية بالإضافة إلى وجود أحزاب قومية لديها مشكلة بين القومية والوطنية ويقول إن الأحزاب الإسلامية تعاني أيضاً مشكلة الوطنية في مقابل أحزاب جهوية تعيش تناقضات بين الجهة والعرق. ونظر أمين إلى حالة الأحزاب السياسية وأكد أنها تعاني حالة جمود فكري داخلها وهو لا يرى أن هناك أفكاراً تقدم وأن قضايا الفكر المحورية لا تناقش بمعنى أن هناك ضموراً في الفكر داخل الأحزاب بسبب أن منابرها ومؤسسات الحوار فيها ضعيفة، لافتاً إلى أن السودان لديه حوار مع الخارج ولكن يعاني من انسداد مع الأحزاب بالداخل، واعتبر أن الأحزاب السودانية التقليدية يظل الزعيم فيها زعيماً، ولهذا أكد بأنها أصابتها الشيخوخة المركزية في القيادة وبدت عليها حالة»الزمهرة السياسية« أدت إلى انسداد في الصعود إلى أعلى ورأى أن تشخيص حالة المشاققة في الأحزاب بسبب حالة الانسداد الاتصالي في المعلومات التي تؤدي إلى غموض في الموقف، وأضاف: حتى في حالة وجود ولاء كبير لكنه مغيب في الفكر والاتصال تتحول إلى نوع من الانشقاق الذي يعبر عنه بصورة علنية، ولفت الانتباه إلى أن بعض القيادات تريد أن يتبع من القواعد دون تفسير. وواحدة من العلل المرضية التي تشكو منها الأحزاب وتؤدي إلى التمرد والانشقاق والتفتت البطالة السياسية الشعور بأن مجموعة من الناس تُكوِّن مجموعة ضغط لتحقيق مطالبها الخاصة، وقال إن المؤتمر الوطني يعاني من هذا. واعتبر أن عدم القبول بالآراء المغايرة حالة مرضية قد تؤدي إلى الموت التام وأيّد في رأيه في ذلك المذكرات الإصلاحية وقال إنها ليست سيئة لأنها عبّرت بوضوح عن الاعتراف بشرعية المؤسسة والثقة في الذين يتولون أمرها أن يفعلوا شيئاً، وهناك قدر من الاعتراف بالعمل في إطار المؤسسة. ولكن أمين دعا إلى فرض الإصلاح والبناء على الموجود وهو عكس الحداثة، وقال إن الإصلاح الحقيقي لازم يفرض بيد أنه رأى أن شروطها الثقة في القيادة والانتقال السلس للقيادة إلى جانب وضوح الأفكار والبرامج وتحديد الأولويات بدقة، وقال: لابد من تعبئة الأغلبية على رؤية الإصلاح وأفكاره وبرامجه وأن تكون شرعية الإصلاح من الإغلبية. فى المقابل عزا نائب رئيس المؤتمر الوطني لشؤون الحزب د. نافع علي نافع قضية الممارسة والإصلاح الرئيسة إلى عدم توفر شروطها، ودعا في هذه القضية إلى إعمال الحوار أكثر لأنه يستحق كما قال، ورأى أن الذين يقولون إن الوطني يدير الحوار في الهواء الطلق غير منطقيين. واعتبر أن قضية الممارسة وتجديد الدماء من القضايا الرئيسة تحتاج إلى معايير لابد من الوفاء بها ورأى أن قضية الإصلاح تحتاج إلى أن كل حزب لديه طبيعته وفكرته وهو يتعامل مع واقعه ويبدو أن نافع ضد الأحزاب الصغيرة وغير المعروفة لجهة أنها تقع فريسة للوبيات الأحزاب الكبيرة جدًا، وقال إن الممارسة تتأثر بموقع الحزب من السلطة، وتطلّع إلى أحزاب لا تتؤسس منهجها في الحكومة أو المعارض وطرح نافع عدة أسئلة حول المؤسسية المطلوبة والأمراض التي يتسبب فيها منهج الإصلاح. ويبدو أن إبراهيم أحمد عمر، أمين الفكر والثقافة، شعر بعد استماعه للمحاضرة أنه يحتاج للجلوس مع أمين لتقارب الأفكار بينهما ولا تتباعد ورأى أن المساحة الفكرية بينهما فيها »شوية« خلاف تحتاج إلى مقاربة باعتبار أن كليهما له منطلقاته الفكرية حول قضية الثقاقة والهوية ويبدو أن عمر من دعاة أن أي انغلاق في الحزب سيؤدي إلى انفجار وهو ضد فكرة أمين الذي رأى أنه ضد الثورة، وقال إن الحزب أحد أدوات الدولة في إطار فكرة معينة، ولكنه أكد أن التطور يتجه إلى الفردانية.. وتساءل: هل نحن نحتاج إلى تقوية الأحزاب أم تقوية الفردية؟ وقال: قد يفرض علينا الإصلاح وأن النظام الحزبي إذا لم يتقدم إلى الأمام سوف ينهار.