المنهجية التي تعملها الإدارة الأمريكية في التعاطي بها مع السودان كدولة منذ مجيء الإنقاذ ولأكثر من عقدين من الزمان تقوم على ابتداع إرسال مبعوثين رئاسيين بتفويض محدود وصلاحيات لها سقف فقط للمناورة واستقصاء المواقف التي تساعد أمريكا في رسم سياستها المستقبلية إزاء التحديات التي تواجه بلادنا بالمزيد من العصا!. ظل هذا هو واقع الحال سواءً تعلق الأمر بالجنوب أو دارفور أو الحزب الحاكم وعلاقات الجوار والإقليم، وبقي جنوب السودان مولودًا شرعياً ودولة خرجت من رحم الرعاية الأمريكية على عهد التمرد وما تزال، وهكذا تريد لهذا الواقع أن ينتقل إلى دارفور إن قدِّر لها ذلك، بل ويمتد إلى جنوب كردفان والنيل الأزرق وغيرها من المناطق داخل المخطط الأمريكي الغربي الكنسي الصهيوني لتمزيق السودان، أنظروا إلى أعداد الأشخاص الذين توافدوا كمبعوثين للسودان على اختلاف الحكومات الأمريكية كانت للديمقراطيين أو الجمهوريين فالمحصلة واحدة.. فكانت أول مبعوث في التسعينيات السيدة / ماليسا ويلز، ملكة جمال أمريكا في العام 1958م، أعقبها القس / دانفورث، ثم زوليك وارتباطه بالاقتصاد والمؤسسات والصناديق الدولية، ثم ناتسيوس الذي كان مديرًا للمعونة الأمريكية، ثم السفير / وليامسون وارتباطه بالخارجية، تلاه الجنرال/ غرايشون وعلاقته بالمخابرات الأمريكية ولن يكون السفير!! ليمان آخر المبعوثين طالما أن السودان الدولة ليس له الحق في قبول أو رفض من ترسله أمريكا، وبعضهم قد كانت له من المواقف العدائية الموثقة والتصريحات المعلنة تجاه السودان ما سبق تسميته كمبعوث ومع ذلك يستقبل ويسمع له.. فليبحث الجميع فيما حمله هؤلاء من رسائل وشروط ومطلوبات لأجل التطبيع مع الولاياتالمتحدة، وما الذي تحقق لصالحها عبر كل منهم وما الذي كسبه السودان باستقبالهم والجلوس إليهم والاستجابة لمطالبهم. أين هي العلاقات السودانية الأمريكية التي تطاول بها العهد وهي على مستوى القائم بالأعمال في تصريف الشأن الثنائي الذي هو أساس العلاقات بين الدول ذات السيادة، ومتى ينتهي هذا اللقب والمهمة التي ما إن توصلت إلى مبتغى الإدارة الأمريكية إلا وأقيل المبعوث أو سحب وأنهيت مهمته هكذا، ليس هناك من رابط في مهام هؤلاء ولا تواصل فيما بينهم وكأنهم يمثلون دولاً داخل أمريكا، وكلنا يعلم مدى ارتباطهم بإجهزة الاستخبارات الأمريكية بكل تشكيلاتها واللوبيات الصهيونية ومراكز صناعة القرار في الكونغرس والبنتاجون والخارجية، تمنيت لو أن بعض جامعاتنا أو مراكزنا البحثية استقصت عن ظاهرة المبعوثين إلى السودان في شخوصهم وخلفياتهم والمواقيت التي أتوا فيها وحصيلة ما حملوه بجعبتهم، حتى نجد المنهج المناسب في كبح هذه الآلية التي هي مدرسة راكزة في العقلية الأمريكية وطرائقها لتحقيق مرادها حصرياً دون أن يجني الطرف الآخر أي شيء أو هكذا أريد لها. ولذلك يظل التطبيع مع واشنطون أمرًا عصياً على التحقيق وبعيد المنال مهما تجمّلت الدولة وصابرت على الحوار معهم، فما أن انتهت المفاوضات والحوار الممتد وجوالاته اللامتناهية معهم إلى نهاية إلا وارتطمت بحادثة عارضة عادت بعدها الولاياتالمتحدة باللوم على السودان أنكم لم تفعلوا كذا وتركتم كذا وها هي أبيي، ودارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق وغيرها من القضايا والموضوعات تراوح مكانها والرمال الأمريكية تتحرك، «مصفوفة من المطالب يسلمها كل مبعوث للحكومة السودانية عند بداية مهمته» يتم التداول بشأنها، يطلب فيها ضرورة التجاوب معه وقبولها والعمل على إنفاذها، وبالمقابل يقطع المبعوث على نفسه أو يعد بجملة «حوافز» كما يحلو لهم تسميتها لكنه عادة لا تحدد بأجل وتوضع بين معكوفتين إن لم يتم اعتراض في المسارات الماضية أو ما وضعوا من قيود ومتاريس وشروط تعجيزية تدرك أمريكا أن السودان ليس بمقدوره الفكاك منها، وأنها تحصل على ما تريده في كل مرحلة دون أن يصيب السودان أياً من الوعود التي قيلت له والأسباب معروفة وما أكثر التعلل لدى الأمريكان وما أجمل الكذب على أعلى مستوياتهم، بهكذا عقلية نسفت الصومال وتفككت، ودمرت أفغانستان وعلى نحوها تفتت العراق أو كاد والتحرشات بإيران وسوريا لولا المخاطر على مصالح أمريكا وإسرائيل في المنطقة لأصبحت هاتين الدولتين أثرًا بعد عين، علينا أن نتوقف أمام مسيرة المبعوثين وسيلهم الذي تجاوز مطالبهم الآن في حالة السودان إلى تجاوز رئيس البلاد في اللقاءات «بحجة اتهام المحكمة الجنائية الدولية له» وقد قبل السودان بالوضع الذي فرضوه عليه وتكرّس ذلك بالتتابع، ويقيني أن هذه واحدة من كبريات الأخطاء لمن بيدهم القرار السياسي بالبلاد في قبول هؤلاء المبعوثين والتحاور معهم، كيف يسمح بمبعوث ظل لقاؤه بالرئيس هدفاً أصيلاً في بداية بعثاتهم وعمود طلباتهم الرسمية، وهم يدركون أنه ليس بمقدورهم تجاوزه في أي صفقة أو اتفاق يتم دون موافقته كيف هذا، ومن وراءه وما الذي نستفيده من إهانة رأس البلاد والسماح لكائن من كان بتجاوزه والجلوس إلى من دونه وهو من يملك القرار، ويبرم الاتفاقيات ويلتزم إنفاذها!؟. رأينا كيف بدأ هؤلاء مهامهم وحصاد بعثاتهم غير المفضي إلى أي غاية لصالح البلاد، وأين انتهى هذا المبعوث الألمعي ليمان الذي عادة ما يأتي لتخفيف الضغط على دولة الجنوب الوليدة وتحسين مواقفها التفاوضية بالمزيد من الشروط التعجيزية والمواقف المتعنتة، أتدرون ما الذي حمله هذا المبعوث في رحلته الأخيرة وهو يطلب أن تقوم حكومة السودان بفتح الإغاثة على مصراعيها أمام منظماتهم في جنوب كردفان والنيل الأزرق لتنتهي أوضاع الولايتين إلى وضعية دارفور لنبحث غدًا عن يونيمكس ويوناميد وسوفا وسوما وما إلى ذلك من الاتفاقيات والمسيمات بدعاوى الوضع الإنساني، هكذا يتعاملون مع الحالة العرضية والمترتبات ولا يهمهم جوهر المشكل ومن تسبب في إيجاد حالة الحرب، وثاني مطلوباته أن يصار إلى إجراء الاستفتاء في أبيي بحلول شهر أغسطس القادم والجنوب الآن تحت الحركة الشعبية «دولة حاكمة» وهي التي زورت الاستفتاء على حق تقرير المصير لصالحها بأكثر من 98% وبمقدوررها أن تأتي نتيجة الاستفتاء في أبيي بنسبة 110% لصالحها أيضاً، وثالثة الأثافي أن يتم التقرير في المستقبل السياسي للولايتين أي بمعنى أو آخر إننا بحاجة إلى نيفاشا جديدة لتفكيك تلاصم ما أتى به، والبلاد لم تسلم بعد من ما عرف بالقضايا والموضوعات العالقة لما بعد الانفصال والتي تطوِّق البلاد وتشل حركتها وليبقى نقل البترول خلافياً وكل القضايا المتعلقة بالحدود والجنسية وبقية الملفات فكلها ترحل أو تجمّد لحين تفكيك ما حمله الرجل، هكذا تمتد متوالية الشروط والضغوط الأمريكية إلى ما لا نهاية وجميعها لصالح دولة الجنوب، وما يقابلها مجرد وعود مجربة بإعفاء الديون الأمريكية التي ورثتها الإنقاذ، وهي التي لم تتلقَ مليماً أو دعماً من أمريكا طالما مالها وسلاحها إلى أعدائنا في كل الأحزاب المعارضة والحركات المسلحة المتمردة. علينا أن نستمر في استقبال المبعوثين كقضية مسلّم بها ما أن انتهى ليمان إلا وجاء خلفه، ولكن لأي غاية أو هدف لا يهم ، لمَ الحوار إذًا وما الداعي للتفاوض مع الولاياتالمتحدة وهي مهتمة وغارقة في الفروع وقضيتنا الأساس في استقامة علاقات البلدين رهينة بمدى التقدم في قبول شروطها وإملاءاتها التي لا تتوقف ولن تتوقف؟!! نحن بحاجة لإعمال منهج جديد يعيد النظر في التعامل مع هكذا عقلية متحجرة تأخذ ولا تعطي، والإنقاذ بقيت صامدة وراسخة دون سند أمريكي، رغم الظروف القاسية في السابق والتحديات الكبيرة التي واجهتها، والمصاعب التي تجاوزتها بعيدًا عن أمريكا، فما الذي يضير إن أرجينا الحوار معها أو علّقناه أو رفضنا استقبال مبعوث واحد دون أن نرى وعداً واحداً يتحقق!! وقد كان آخر وعودهم لوزير الخارجية الأستاذ كرتي في زيارته لواشنطون برفع السودان من قائمة الإرهاب عقب ستة أشهر وأن الإجراءات قد بدأت بالفعل، وعام مضى والعقوبات تجدد ومواقفنا دون تزحزح والمبعوث يحل بالخرطوم والحوار معه ممتد، اللهم لا نسألك رد القضاء ولكن نسألك اللطف فيه!!.