رأيت رسماً كريكاتيراً في إحدى الصحف المصرية حيث إن أحدهم من كبار موظفي الدولة يجلس في قهوة ويسأل الجرسون «متى سيضعون الحد الأقصى للأجور»؟! فأعجبتني الفكرة وقلت إنه دائماً يوجد حد أدنى للأجور ولكن لا يوجد حد أقصى مما يؤدي في مختلف بلاد الدنيا إلى تفاوت كبير للغاية في الرواتب والأجور حتى داخل المؤسسة الواحدة. وتأملت في الوضع في السودان حيث يمكن أن تجد شخصاً واحداً قد يكون راتبه يعادل راتب ثلاثين موظفًا معه في نفس المنشأة!! هذا التفاوت الكبير في الأجور والرواتب قد يدفعنا للتساؤل لماذا لا يضعون حداً أقصى للأجور؟! إن الغرض الأساسي من وجود حد أدنى للأجور هو أن يتم ضمان وجود أجر لكل عامل يكفي الاحتياجات الأساسية للأسرة المتوسطة وللأسف الشديد فإن الحد الأدنى للرواتب في السودان لم يراعِ هذه القاعدة حيث إنه يساوي أقل من 10% من تلك الاحتياجات خاصة بعد الارتفاع المتزايد في أسعار السلع في الفترة الأخيرة. أما فكرة الحد الأقصى للأجور فالغرض منها في حالة تطبيقها سيكون ضمان عدم استئثار القلة بالقسم الأعظم من مخصصات الفصل الأول «الرواتب والأجور» وترك «الفتات» للأغلبية. فاليوم نرى في البلدان النامية عمومًا «وحتى في البلدان المتقدمة أحيانًا» أن 10% من الموظفين يستأثرون ب 90% من مخصصات الفصل الأول بينما 09% من الموظفين لا ينالهم نصيب من مخصصات الفصل الأول إلا 10% فقط وهذا الأمر لا يجوز وليس فيه شيء من العدالة خاصة أن أية منشأة تحتاج إلى أداء جميع العاملين فيها بشكل متكامل ولا تسير ماكينة العمل إلا بأدائهم مجتمعين. ونحن في السودان نرى أنه يجب أن يتم تعديل هذه الصورة بحيث تكون كالتالي: رفع الحد الأدنى للأجور ليساوي بالفعل الاحتياجات الأساسية للأسرة المتوسطة كما هو متفق عليه عالمياً. تحديد حد أقصى للأجور يراعي العدالة والتقسيم العادل للثروة والموارد بين أفراد المجتمع.. وبالطبع لا يوجد مانع من تمييز أصحاب الكفاءات العلمية والفنية والتقنية الخاصة نسبة للجهد الذي بذلوه في تحصيل العلم والتجربة وللدور الفاعل لعلمهم وخبراتهم في تطوير المنشأة وهذا التمييز لا يتناقض مع أسس العدالة بل هو العدالة نفسها.. غير أن هذا التميز يجب أن تكون له حدود وضوابط.. ولكن علينا ألا ننسى أن معظم أصحاب الأجور العالية للغاية لم يكتسبوا ذلك بالعلم والتجربة إنما لأسباب أخرى تدخل فيها «الوجاهة، والجاه، والسلطان».. و«التمييز عبر المبرّر».. فهل يا تُرى من تعديل لهذه الصورة وتحديد حد «أقصى» للأجور في الدولة «ناس القطاع الخاص على كيفهم».