أجر الصحفي محمد أمين بالزميلة صحيفة «الشاهد» حواراً مع القيادي بالحزب الشيوعي سليمان حامد حول ذكرياته عن الاختفاء من الأجهزة الأمنية في العهود المختلفة التي عاصرها ابتداءً من حكم الفريق عبود في عام 1964 ومروراً بحكم نميري في العام 1969 وانتهاءً بعهد الإنقاذ الحالي، الذي اختفى فيه ستة عشر عاماً، وقال إن جملة السنوات التي قضاها في الاختفاء تبلغ ثمانية وثلاثين عاماً وأنه خرج من اختفائه الأخير في أعقاب خروج سكرتير الحزب الشيوعي محمد إبراهيم نقد بعد شهر، وذكر أنه انتحل شخصية أستاذ جامعي في منطقة شمبات، وقال إنهم يجرون عمليات مكياج للتمويه، وفي هذا الجانب ذكر أحد رجال المخابرات الأمريكية الذي عمل في السفارة الأمريكيةبالخرطوم عبر مقال مترجم نشرته إحدى الصحف السودانية قبل سنوات إنه كان يرتدي قناعاً ويخرج به دون أن ينتبه له أحد رغم وجود العناصر الأمنية بالخارج، لكن السؤال المهم: هل كانت أجهزة الأمن المايوي والإنقاذي لا تعلم بمكان العناصر الشيوعية المختفية منذ بداية 1989 وعلى رأسهم سكرتير الحزب الشيوعي «نقد»؟ الإجابة في تحليل شخصي بلا شك، ذلك لأن تقوقع العنصر المختفي في أماكن محددة لفترات طويلة من شأنها أن تقيِّد حركته بالإضافة إلى أنها تكشف بعض الكوادر السرية التي تزوره أو تلتقي به خارج مكان الاختفاء، ومما يؤكد أن جهاز الأمن السوداني كان يدرك مكان اختفاء «نقد» هو قيام مدير الجهاز السابق المهندس صلاح عبد الله قوش في العام 2005 بزيارة مفاجئة للمنزل الذي كان يختفي فيه وذلك في أعقاب اعتزام الحزب الشيوعي الاحتفال بخروجه من مخبئه، أما اختفاؤه في العهد المايوي فقد أكد العميد «م» حسن بيومي ضابط مخابرات في العهد المايوي في حديث لإحدى الفضائيات العربية أنهم في الجهاز كانوا يعرفون مكان اختفائه، لكن من الثابت أن المراقبة الأمنية المستمرة تتيح للفرد الذي يخضع للمراقبة اكتساب ثقافة أمنية متجددة وذلك من خلال الملاحظة أو من خلال وقوع بعض الأخطاء من العناصر الأمنية الموكلة بعملية المراقبة، بيد أنه من المعروف أن الثقافة الأمنية ضعيفة لدى الأحزاب السودانية بما فيها الحزب الشيوعي رغم أنه الأفضل من غيره، فهي ضعيفة في عمليات التأمين والتغطية والحس الأمني الذي يمكنها من تحصين صفوفها من الاختراق، وهو أمر سهّل مهام الأجهزة الأمنية في العهود العسكرية السابقة، ومن الطرائف أن الحزب الشيوعي السوداني تعرّض لعملية خداع من المخابرات المصرية قبل سنوات طويلة بحسب ما رواه أحد الكوادر المخضرمة ويدعى سلامة عبر حوار في صحيفة «الأزمنة» المتوقفة من الصدور، أجراه الصحفي عماد حلاوي حيث حكى أن الحزب بعثه في مهمة إلى القاهرة بغرض توحيد بعض الأحزاب الشيوعية المصرية المتنازعة، فادعى أنه مريض ولزم سرير المرض في أحد المستشفيات وقام بالاتصال ببعض الأحزاب الشيوعية هناك، وعندما نجح في مهمته بعد عناء ومجهود كبير قرر العودة إلى السودان سعيدًا بنجاح مهمته الأمنية السياسية الشاقة فذهب إلى أحد أقربائه وهو يهم بالذهاب إلى المطار فتعطلت سيارة قريبه فقال له إن جاره المصري صديقه وأخبره أنه إذا احتاج إلى سيارته فهو جاهز في أي وقت، وبالفعل جاء المصري وركب الأستاذ سلامة في الخلف بينما ركب قريبه بجانب صديقه السائق وقال سلامة إنه لما تحركت السيارة قام المصري بتحويل مرآة السيارة تجاهي فسارعت بتحويل مكاني لتجنبه، فناداني المصري فجأة باسمي الحقيقي قائلاً: «أزيك يا أستاذ سلامة» ثم قال له: نحن كنّا نعلم بمهمتك منذ أن جئت إلى مصر وإن الأحزاب التي ظننت أنك نجحت في توحيدها كلها تتبع للمخابرات المصرية، بالطبع فإن الأستاذ سلامة كان في غاية الإحباط والحزن بعد فشلت مهمته رغم ما بذله من وسائل التأمين، وبالطبع فإن المخابرات المصرية هي التي عطلت سيارة قريب الأستاذ سلامة حتى يركب في سيارة ضابط المخابرات فيكشف له حقيقته، فعاد إلى الخرطوم محبطاً و«أزيك يا أستاذ سلامة»!!