عندما وصلت الحركة الإسلامية إلى السلطة في يونيو 1989 عمل الترابي بعد وصوله إلى السلطة على تصفية حساباته مع خصومه الفكريين الذين كانوا يرون في أفكاره التي رفع لها لافتة التجديد تبديلاً ناعماً للدين وبهدوء شديد، وهذا التوصيف من قبل مفكرين من التيار السلفي والصوفي على حد سواء كان يقابله المتعصبون للترابي المنبهرون به بكثير من التهكم والاستهجان حتى إذا ما انقلبوا على الترابي تكشف وجهه الكالح في ليبرالية يحسده عليها الشيوعيون أنفسهم!!، فذهب يتحالف مع الشيطان لإسقاط تلاميذه وأبنائه وتدمير الدولة التي يزعم أنه أمضى حياته في بنائها ولو كان أولى الفريقين بهذا المولود لتركه للفريق الآخر لئلا تتقطع أوصاله وينهار بنيانه كما فعلت المرأتان اللتان اختلفتا إلى نبي الله سليمان يتنازعان في مولود، كل واحدة منهما تزعم أنه ابنها !!، والترابي الذي وصل إلى السلطة اعتقل جميع خصومه إلا من نجا بالهجرة وأدخل قادة الأحزاب السياسية والجماعات الإسلامية السجون لا سيما تلك السلفية التي كانت ترى في تجديده تبديلاً لم يستبنه بعض تلامذته إلا ضحى الغد، وهم يرونه يدعو إلى وجوب التعامل مع محكمة لاهاي لتسليم أخيه المشير عمر البشير وفي تلك الأيام الكالحات صادرت دولة الترابي مساجد جماعة أنصار السنة المحمدية ورمت بالسلفيين بمدارسهم المختلفة في السجون ورغم حله للحركة الإسلامية بدعوى تحولها لدولة وزعمه وجوب تحولها إلى كيان يسع الأمة كلها في إطار دولة الأمة إلا أن دولته ضاقت بمن خالفه الرأي في مفاهيمه التجديدية ثم يزعم أنه ليبرالي وهو يضيق بالرأي الآخر الإسلامي!! وكان يسعى الترابي إلى تكوين دولة ترابية وليست دولة أمة لا تتبنى في قضايا الحكم والاقتصاد والسياسة إلا آراءه «التبديلية» عفوًا التجديدية وبعد المفاصلة المباركة وقطع تلك اليد التي كانت تبايع الإمام بالنهار وترسل إليه الأوامر بالليل كموظف صغير عندها!! زعم الترابي أنه يخالف خصومه في القصر في موضوع الحريات ولم تنعم الجماعات الإسلامية بحريات تحت حكمه لكنها وجدت ذلك تحت حكم القصر لا المنشية!!، والأحداث الأخيرة من هدم قباب بالعيلفون والتحرُّشات في حلق الدعوة بالأسواق وصولاً إلى الاشتباك بالأيدي والعصي في ساحات الاحتفال بمولد الرحمة، هو واقع تصنعه وتعبث به يد ما!!، في محاولة لتفخيخ الساحة الإسلامية حتى تصبح مهمة الاجتياح أمام جيوش العنصريين والحاقدين سهلة، وعندئذ سيكمل أولئك المتعاركون عراكهم في المعتقلات، هذا إن أبقى عليهم هذا المشروع العنصري الاستئصالي أحياء!!، لقد واجهت جماعات العمل الإسلامي بكل أطيافه وطوائفه المشروع الإفريقاني الصليبي للحركة الشعبية لم يشذ منهم أحد إلا من غضب الله عليه وأضلّه على علم!!، إذ كان خطاب الحركة الشعبية واضحاً في سعيه لإجراء تغييرات جوهرية في بنية الدولة بما يغير من هويتها وانتمائها الإقليمي في محيطها العربي والعالمي في أبعاده الاسلامية حتى سمى الصادق المهدي مشروع الحركة الشعبية المسمى بالسودان الجديد «السودان النقيض» وهكذا يعجبك الصادق المهدي في منحوتاته اللفظية!! فقط لو يترك أمر الفتوى في الدين لأهل العلم والفقه كان خيرًا له!!، والمعارضة بعد فشل دعواتها المكرورة إلى ربيع سوداني تدرك جهلها بشفرة القدر الإلهي، فالتغيير اليوم يقوده إسلاميون والربيع العربي ينتهي بشتاء إسلامي ومن غريب ما حدث في الانتخابات المصرية إذ حصل حزب النور السلفي على المرتبة الثانية والشعب المصري الذي لم تفلح مائة قناة راقصة ومائة قناة هابطة ومائة قناة ملوثة للفكر والتصورات في صرفه عن الدعوة إلى تحكيم الإسلام هذه الحقيقة كشفت أنه مع أيدي الكفر التي كانت تعبث في تعليم وثقافة وأخلاق وعقائد شعوبنا كانت هناك أيدٍ أخرى متوضئة تبني وقليل الجهد من المؤمنين مع الإخلاص الذي ينالون به نصرة السماء يجعلون مليارات الدولارت التي صرفت على مشاريع الهدم تحدث في قلوب أصحابها حسرة مصداقاً لقوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ). الأنفال:36 ليست هذه السنة الأولى التي يقام فيها احتفال بالمولد وليست السنة الأولى التي يكون لجماعة أنصار السنة خيمة بالمولد وليست هذه السنة بنيت تلك القباب!!، لكن هذه السنة والسنوات الأخيرة اصطفت جماعات العمل الإسلامي رغم تباينها واختلاف وجهة نظرها في الإنقاذ إلا أنها اصطفت لمواجهة مشروع السودان الجديد وتلك الجماعات سلفيوها وصوفيوها تداعو في جبهة الدستور الإسلامي يطالبون بتحكيم شريعة لا دغمسة فيها مؤيدين بذلك المشير البشير في وعده بترك الدغمسة التي صاحبت اتفاقية نيفاشا وخلوص الأمة إلى هويتها الإسلامية ووعده بتحكيم الشريعة الإسلامية في دستور لا ندوب فيه ولا عيوب وبينما المشهد على هذا النحو إذ وقعت تلك الأحداث، أن المعارضة أدركت أن الربيع العربي إسلامي الشفرة وهي تعمل عن طريق «غواصاتها» هنا وهناك على جر الساحة الإسلامية إلى الاحتراب وتعمل أياديها الخفية على إحداث اصطفاف إسلامي في مواجهة اصطفاف آخر يجر الحكومة إن لم تكن فطنة إلى الوقوف مع صف ضد الآخر لتربح المعارضة الآخر وتستفيد من خطابه الديني في التجييش وبعض الصحافة تتساءل هل انتهى شهر العسل بين الحكومة والسلفيين؟! وماذا يعني انتهاء شهر العسل هذا؟ ويوم الخميس نجيب!!