لقد أرغمت الحركة الإسلامية على مفارقة منهجها المثالي في نبذ الجهوية والقبيلة، أيام كانت على بساط ريح الأشواق والأحلام، وهي تسير نحو إقامة نموذج الدولة الإسلامية، فوجدت نفسها بعد أن تمكنت من السلطة مرغمة على التعامل مع واقع المكون الجهوي والقبلي، الذي فتحت شهيته قضية الجنوب التاريخية، ولازال يلتهم المزيد من القيم الدينية والوطنية. ولما بدأت المؤشرات تدل على التوجه نحو الرضا الجهوي والقبلي عن السلطة المركزية- التي تعاملت بسياسة (العصا والجزرة)- مع هذا الواقع بدأت (بروفات) الفتنة الطائفية التي كانت تحوم حولنا، فأطلت علينا برأسها من عدة نوافذ، إقرأ معي هذه العناوين في مواقع متفرقة على الشبكة العنكبوتية (محمد الكريم: الترابي زنديق ومرتد يجب إعدامه، والمهدي كافر في أقواله!!).. ومع أني لم أجد تفسيراً لعبارة (كافر في أقواله) إلا أن الزندقة هي درجة من درجات الارتداد عن الإسلام، حيث يقوم المرتد بالأفعال المظهرية لابداء إسلامه، لكنه يدعو إلى أفكار كفرية، ويصر على مبررات صحتها في الإسلام، ثم نقرأ عنواناً آخر (المهدي يتوجه لمقاضاة الرابطة الشرعية للعلماء بسبب تكفيره)، ونقرأ في صحيفة (آخر لحظة) عدد السبت2012/2/4 في حوار مع الفنان محمد وردي يسأله المحاور (هاجمك أحد أئمة المساجد في الأيام القليلة الماضية وأتهمك بالكفر)، وفي معرض إجابته عن هذا السؤال أتهم وردي إمام المسجد بالكذب، حيث ذكر أن الإمام قال إن عمر وردي (90) سنة، بينما هو عمره 79 سنة وقال ساخراً: (أعطاني 11 عاماً مجانية كتر خيرو)، وختم إجابته قائلاً: (حديث إمام المسجد غير الموفق هذا يخلق فتنة)، وسبب هذه الفتوى بكفر وردي هو أنه غنى في الاحتفال بأعياد الميلاد. والسؤال هو ليس عن كفر أو عدم كفر المهدي والترابي ونقد ووردي.. ولكن هل مسألة التكفير والإخراج عن الملة هي بهذه البساطة، يمارسها كل من حملته قدماه وصعد المنبر؟! أين هو دور الدولة في تنظيم مثل هذا الأمر الخطير؟! حفاظاً على دماء عامة الناس كحالة (وردي) وحماية لباب الاجتهاد من الإفراط والتفريط في حالتي (المهدي والترابي) وتنظيماً للعمل السياسي في حالة (الشيوعي)، الذي أفتت الرابطة الشرعية للعلماء والدعاة بكفره هو الآخر. سبق أن أفتى أحد أئمة المساجد المشهورة بكفر الراحل الصحفي محمد طه محمد أحمد- عليه رحمة الله- وأباح دمه ثم حرض على قتله بقوله: من قتله وقتل بدمه دخل الجنة!! فرد عليه محمد طه داخل المحكمة.. لماذا لا تقتلني أنت وتدخل الجنة أم الحياة حلوة؟!. دعوني أزعم أن أجهزة المخابرات العالمية ليست بمعزل عن برنامج الفتن الطائفية، فإذا كانت الأجهزة المخابراتية تنبش بأظافرها القمامة، وتفتش بأناملها مجاري الصرف الصحي في البيوت، بحثاً عن أدلة السلوك والنشاط الذي يمارسه الناس فمن باب أولى أن تخترق التجمعات والجماعات عظم شأنها أو حقر.. والاختراق ليس بالضرورة أن يكون مباشراً بل هو بالوكالة أسهل وأفعل. ونقرأ المزيد من عناوين الفتنة: (اشتباكات بين أنصار السنة والصوفية بميدان المولد)، البشير: (ضبطنا مجموعة تكفيرية تنتمي لتنظيم القاعدة)- إذا كانت الأخيرة تعتبر عملاً أمنياً وانجازاً يحسب لتوجه الدولة ضد التطرف، فإن الأولى تجعلنا نتساءل أين موقف وزارة الإرشاد والأوقاف، مما يدور في أوساط وعلاقات هذه الجماعات. أشرت أعلاه إلى أن الفتنة كانت تحوم حولنا.. نعم ففي مصر نقرأ العناوين التالية:(مظاهرات ضد هدم الأضرحة ولجان شعبية لحراستها في الاسكندرية) (القبض على سلفيين بتهمة هدم أضرحة بالقلوبية) (مفتي الجمهورية يدعو على كل من هدم الأضرحة) كما أن أحداث قرية (إطفيح) التابعة لمركز(صول) شرق النيل بالقاهرة بين المسلمين والمسيحيين، على خلفية اتفاق شابة مسلمة وشاب مسيحي على الزواج ليست ببعيدة على الأذهان، وفي الصومال نقرأ : (لله درهم من موحدين: بدء هدم القباب والأضرحة الصوفية في الصومال) وفي البحرين نقرأ:(هدم القباب والأضرحة بالبحرين) وفي ليبيا:(عبد الجليل يدعو إلى عدم هدم الأضرحة في ليبيا) وأما عن اليمن فنقرأ في اليومية الإلكترونية (إيلاف) التي تصدر في لندن عدد يوم 2012/1/18م: عبد الملك الحوثى يحذر من فتنة طائفية في اليمن بعد أحداث (رداع)، وعبد الملك الحوثي هو زعيم التيار الشيعي الذي قاتل الحكومة اليمنية لعدة سنوات في شمال اليمن. أليس من حقنا أن نتساءل، هل يتم كل هذا العمل وفي تلك البقاع المتعددة مصادفة أم أن هناك أيد تحركه؟! وفيما يخصنا أيضاً في السودان نرى أن هناك سيناريو ثالث بعيد المدى يتمثل في المد الشيعي الذي يعمل في هدوء ويمارس مبدأ(التُّقْية أو التُّقِيَّة أو التَّقيَّة) كلها صحيحة، كما سمعنا ذلك من شيخنا ميرغني محمد عثمان أرقاوي- حفظه الله- والبرنامج الإفسادي أيضاً وسنعود للمد الشيعي في السودان لاحقاً بإذن الله. ولكن التساؤل الذي نطرحه لجماعة أنصار السنة على صاحبها أفضل الصلاة وأتم التسليم، أما كان أجدى وأنفع لهم وللمجتمع المراهنة على عاملي الوقت والاستنارة المتزايدة، ثم الوصول إلى عقد اجتماعي لاحقاً بعدم بناء أضرحة جديدة، وعدم صيانة الأضرحة القائمة، وذلك بعد إزالتها من النفوس أولاً قبل إزالتها بالمعاول؟! وهل إزالة الأضرحة والقباب أولوية الأولويات حتى تشتعل الحرب عليها في العديد من البلاد؟. وتساؤل أخير لحكومة الإنقاذ بجميع أحزابها، هل من استراتيجية للتعامل مع خطط تمزيق النسيج الاجتماعي، وقتل روح التعايش بين الأديان وضرب الإلفة بين الطوائف نرجو ذلك والله المستعان.