مشوار حياة عبر الزهور والخضرة والعطاء اسمه شوقي عطا كان على موعد مع العطاء ولكن في رحاب الخضرة والجمال، والزهور والشتول الحدائق والبساتين والنجايل والنوافير.. قفز شوقي من أعلى أشجار المهوقني.. وتسلل من بين البان.. وخبر أشجار الطلح والدليب والبتلقرم والمانقو والنيم. عمل بأبحاث الغابات بسوبا والقضارف وكسلا والنيل الأزرق وأروما والدندر وبنزقا.. لم يدخل شوقي الغابة.. «كمصطلح سياسي» ولكن الغابة دخلت في شوقي.. وحينما تدخل الغابة في الإنسان فإنه يصبح كما شوقي خبير غابات، تخرج فيها بالمعاش «1991». ولكن ماذا أعطته الغابات؟ بدأ بعدها مشوار حياته الحقيقي عام «1971» بعد أن تسلح بالخبرة فيها وهذا التاريخ هو نقطة تحوُّل كبيرة في حياة شوقي. ومحطة رئيسة يبدأ فيها الثنائي شوقي وآسيا حياة جديدة.. والإنسان بعد الزواج يبدأ حياته الحقيقية.. من هي آسيا؟ هي آسيا عمر علي «جعلية من شندي» ولكنها ولدت في أم درمان وتم عقد زواجها في يوليو «1971» من رجل الغابات شوقي. ولكن ما علاقتها بالغابات والنباتات ولماذا هي متلهفة وعاشقة ولهانة بالنباتات حتى أنها سافرت لها في معارض الولايات وشاركت في كل معارض الزهور بالعاصمة وهاجرت من أجلها للقاهرة والسعودية بل وساهمت وأحضرت نباتات لأول مرة يتم تكاثرها على يديها في السودان من هنا يبدأ مشوار التعرُّف والتوثيق. ومثل عربي بليغ ينطبق على هذا اللقاء.. بداية حياة «شوقي وآسيا».. المثل يقول: «وافق شنٌ طبقة» هو مثل ظريف نحكيه في فقرة لقطات طريفة بهذه الصفحة، ومن بعده نتوجَّه لرحاب منزل الأسرة الكريمة بحي الواحة مدينة الثورة أم درمان.. في المنزل الأنيق، والڤيلا التي تتجه شمالاً وعند مدخل الصالة قبل أن أدخل للصالون. شتول منها السايكس نخيل زينة، لفت نظري أن إحداها تزدهي في كأس جميل وتحضن في إلفة صغارها. النباتات كثيراً ما تحاكي بقية الكائنات الحية الأخرى مثل الطيور. فكما تحتضن «الحمائم» صغارها يُحينك زغب النخيليات، ويرحبن بنا ونحن على مدخل الحوار. المشهد الأول يا سيد شوقي هو أن النبات يلهمنا كل معاني الحياة.. الشعراء هنا يهيمون والأدباء والمفكرون والرجل صاحب المشتل يرسم لوحات زاهية للحياة على طبيعتها.. نتعرَّف أولاً على هذه الأسرة المنتجة.. وظاهرة طيبة أن يشق الرجل وزوجته عملاً مشتركاً في هذا المجال وفي هذه السن يتجدَّد على الدوام شبابهما كيف كانت البداية يقول شوقي: البداية كانت في بيت بالفتيحاب بأم درمان والحوش كانت مساحته حوالى ألف متر مربع شجعنا على إنتاج النباتات فكنت أنا أعمل بعد الظهر في إنتاج شتول الغابات.. كان ذلك عام «1987» وكنت أنتج المهوقني والبلتقرم والنيم والبرازيلي حتى أنهم كانوا يلقبونني «بشوقي برازيلي» كما أنتجنا أيضاً الليمون والجوافة وكنا موفقين الحمد لله.. البيع كان في البداية في الدلالة.. ثم تعاونا بعدها في الجيش.. وبعدها رويداً رويداً غزينا حتى القصر الجمهوري بالشتول.. حرمنا السيدة آسيا كان لها الفضل في دفع مسيرة العمل وسرعان ما حفظت كل أسرار النبات وإنتاجه، فكانت منذ الوهلة الأولى لها الفضل في نجاح العمل حتى تطوَّر بالمستوى الذي هو عليه اليوم. نحن نعرف يا شوقي أن كثيراً من الزوجات ربما لا يهتمن كثيراً بعمل أزواجهن.. فهن يفضلن في الغالب أن تكون الواحدة فقط «ست بيت» ولكن واضح أن السيدة آسيا كونت منذ الوهلة الأولى لنفسها شخصية متميِّزة في هذا المجال حتى أنها عُرفت في الوسط ومن خلال معرض الزهور وأسست شخصية متكاملة نعرف الإجابة من آسيا مباشرة: تقول آسيا: «ما كنت بعرف العمل قبل شوقي.. ولكن برزت هوايتي بعد الزواج، ودخلت في كورس فلاحة وتغذية بالقرب من الدايات ثم في أثناء العمل أحببت النباتات وأصبحت شغلي الشاغل.. والحمد لله كنت دائمة البحث عن الجديد فيها لدرجة أنني لا أقبل أن أبيع نباتات.. والحمد لله أصبحت لي خبرة كاملة وأعرف الكثير عن طريق الإنتاج لمختلف النباتات حتى المستعصية منها.. وسافرت كثيراً لمعارض الولايات مثل مدني كما سافرت خارج السودان للقاهرة.. كان همي الأساسي أن نجدد ونتفوَّق في النباتات والحمد لله وفِّقنا كثيراً.. وفي السعودية حينما أسافر للعمرة أو الحج أتجه أيضاً بعد أداء المناسك عن الجديد في النباتات. لفت نظري نبات اسمه «انزبلكس» هو نبات ينبت في الجزيرة العربية ويتوافق مع نباتها والتربة وهو نبات ممتاز يتفوق على «الدمس السعودي»؛ لأن له خصائص ومزايا متعدِّدة فهو يحسن التربة ويمتص الملوحة، كما أن له وظائف جمالية تشكيلية رائعة بالتأكيد سيكون البديل الأفضل للدمس الذي يجد هذه الأيام نقدًا لبعض أخطاره وعيوبه نحن اليوم المنتجين الأوائل له بالسودان. ولكن هل تجذرت النباتات وهوايتها في الأبناء كما فعلت بشوقي وآسيا.. يجيب السيد شوقي: بالتأكيد.. ابننا أحمد هو الأول «رحمه الله» له مساهمات تأسيسية فاعلة وترك بصمات واضحة ونفذ أعمالاً لا يزال يذكرها أيضاً أهل القضارف، حيث نفذنا حديقة أمانة حكومة القضارف وكهرباء القضارف.. وكل أبنائنا كل واحد «مسكناه مشتلاً» وأبناؤنا عملوا في المجال.. الآن ابني محمد يدير أعمالاً كثيرة باقتدار وشارك في معارض زهور خارج السودان القاهرة وسوريا والإمارات وغيرها وكذلك الابن عمر وأميمة وكذلك الابنة نجود هي دكتورة صيدلانية ولكن الجميع تقريباً ساهموا بقدر في مجال المشاتل والآن الحمد لله لدينا مجموعة مشاتل الأحباب لها مساهمات في كل فعاليات المعارض وتنفيذ الحدائق ومختلف النباتات ولها إضافات مقدرة لنباتات جديدة في السودان هذه المشاتل «مجموعة مشتال الأحباب» موزعة على مدينة النيل والحارة السادسة الثورة وودنوباوي والمهندسين والساحة الخضراء الخرطوم. كما أن لدينا مواقع إنتاج أيضاً. وفي رحاب مثل هذا اللقاء الأخضر الجميل يداهمك الوقت قبل أن نتعرَّف أكثر على خبايا النباتات وأسرارها وسلسلة طويلة من لطائف الحكايات على أمل اللقاء.. ولكن بقي في ذهني صدى كلمات شوقي عن شريكة حياته قائلاً: «الحاجة ربنا يديها العافية عندها طاقة وصبر، وهي ما شاء الله بتنتج النباتات وهذه فطرة في المرأة.. وأنا أعتبر هذه هبة من الله.