يبدو أن خواتيم المرحلة الجامعية بالسودان أصبحت واحدة من السمات التي ترسم عند المتلقي ملامح شخصيات المستقبل، وهي سمات مبشرة بظهور شباب لا يدرك ولا يمتلك زمام المسؤولية، فالسلوك الذي يتم في معظم احتفالات التخرج الجامعية يتم تحت غطاء الفرحة والانجاز بالبكالريوس، وفي الحقيقة تجده معبراً على مستوى الثقافة والميول والأذواق والتأثر بسمة «البلادة» لدى معظم خريجي جامعاتنا التي صارت تفرخ جيلاً مصاباً بالعقم المعرفي والأخلاقي، وإليكم بعض نماذج السلوك الغريب الذي يتم في تلك حفلات التخرج، وقبل ذلك نشير الى ان هذه الاحتفالات تقوم على نفقة الطلاب وتصل مساهمة الطالب أحياناً الى ألف جنيه جديد، ولا تقل عن« 600» جنيه، وتشمل برامج التخرج فقرات الفرق الكوميدية والفنانين والفنانات الكبار والصغار. في إحدى الجامعات السودانية الشهيرة قام الطلاب بابتداع ما يسمى «حنة الخريج»، حيث يقوم الطلاب والطالبات بتأجير حنانة تقوم بوضع الحناء للخريجين من الجنسين، ولهذا البرنامج طقوس وموسيقى وزغاريد ثم يعقبها ما يعرف «بزفة الخريج» وطبعاً الجماعة كلهم مخضبون ،«يحننوا ويتحننوا». وكنا قد تناولنا في الأفق السابق تخريج الدكتور الراستا، وقلنا إنه مارس حقه في الفرح والاحتفال بطريقة لا تشبه الأطباء ووقارهم، وبطريقة تشبه جيله، حيث جرت العادة في مثله من حفلات التخرج أن يختار الخريج معزوفة موسيقية تميز شخصيته وتحدد ميوله، وتعطيك قراءة سريعة لأذواق خريجي الجامعات السودانية. والمشهدالتالي لا يقل مياعة وديوثاً، فهذه خريجة ظهرت بموسيقى غربية شرقية، وقد خلعت عباءة التخرج وظهرت ب «شورت» يعلو ركبتها بقليل، ورقصت على طريقة الفاجرة شاكيرا. والقضية سادتي لا تتعلق بأذواق جيل وأنغام ساقطة وتأثر بثقافة الوارد والصادر، بقدر ما تتعلق بمناهج التربية ومناهج فهم الحياة التي لا تدرس في القاعات، ولعل ما أثارته الأستاذة آمال عباس ضمن سلسلة مقالاتها القيمة عن التعليم، يفسر ما آل إليه طلابنا، فقد عادت بالذاكرة إلى ما أوردته صحيفة «الشارع السياسي» في عددها الصادر يوم الخميس الحادي والعشرين من أغسطس عام 7991م، ونشرت النبأ الآتي:«أكدت معلومات وردت إلى «الشارع السياسي» أن نتيجة التحصيل في الشهادة السودانية لهذا العام ضعيفة جداً مقارنة بالعام الماضي.. وقال أحد المعلمين الذين قاموا بتصحيح الشهادة في مادتي اللغة العربية والتربية الإسلامية إن نسبة التحصيل تختلف عن كل الأعوام السابقة، بعد التدني المخيف في مستوى الطلاب، وأشار إلى أن هذا الوضع سيؤثر سلباً على مستوى الطالب الجامعي إذا لم تقم الجهات المسؤولة بعمل معالجات لبعض المواد». أفق قبل الأخير نذكر بواحدة من أهداف مؤتمر التعليم القومي: «أن تسعى العملية التعليمية في جميع مراحلها إلى تخريج جيل رسالي، وذلك بصياغة القيم الإسلامية وتسكينها في وجدان الطلاب» أفق أخير: صرنا شهود عيان على ميلاد جيل لا يعرف الكتابة ولا القراءة ولا التاريخ.. «إنا لله وإنا اليه راجعون».