كثيرون من العاملين في الحقل الصحفي لا يدركون معنى أن يكون لك وأنت في بداية حياتك أو في مقتبل العمر منزل.. وكثيرون يدركون قيمة ذلك.. مثلما الكثيرون يرتبطون بالأرض التي خُلق الإنسان من تربتها وسيعود إليها يوماً ما إلا إذا احترق لا قدَّر الله وصار رماداً، أو غرق في لج وصار طعاماً لحيوانات البحر.. كثيرون يُقدِّرون ما نقوم به في اتحاد الصحفيين وما نبذله من جهد غير مسبوق في مجال تحقيق الاستقرار للصحفي بحصوله على منزل بالعاصمة يقيه وأسرته شرور وعذابات الإيجار والمطالبات عند مفتتح كل شهر جديد.. وهو ما يستنزف جلّ دخله من العمل المضني طوال الشهر.. نتلقى الثناء والتقدير وعبارات تُدخل في أنفسنا السرور من البعض.. ونتلقى عبارات التبخيس والاستخفاف «وتسفيه» ما نبذل فيه قصارى جهدنا وكل طاقتنا بل ونتسابق فيما بيننا لأداء هذا العمل.. وفي كلتا الحالتين نؤدي عملنا هذا بكل قناعة ونهدف من ورائه لدرجات من المولى جل وعلا تنفعنا في الآخرة. لم نتوقف عن أداء هذا المشروع الذي تحقَّق بفضل مسؤولين رأوا فيه ما رأينا واقتنعوا بفكرتنا، فأقرّوا المشروع وساروا فيه معنا، على الرغم من قناعتهم أيضاً بأن هنالك صفوفًا من الفقراء والمساكين والمحتاجين من اليتامى والأرامل والذين فاتتهم قطارات الإسكان عبر الخطط الإسكانية التي نُفِّذت عام (1960 1970 1977) وعام (1990) وما بعدها.. وكادت العاصمة تمتلئ في كل ساحاتها بالمخططات وواجهنا الحملات التي ظلت تطلق علينا سهاماً كثيفة تعيب مواقع إسكان ومدن الصحفيين، ومضى معنا الذين آمنوا بها وفضلوها على الإيجار والقرب المكاني والمقارنة مع كل مردودات أن لا يكون لك منزل في عاصمة البلاد.. وداخل حدودها.. ولننظر اليوم إلى تلك المدن (الوادي الأخضر كيف كان في البداية وكيف صار، لم تكن هناك حياة واليوم تعج بالحركة، مدارسهم قامت، مساجد يؤذن فيها وتؤدى فيها الصلوات.. المواصلات في حركة راتبة تخلصت الأسر وإلى الأبد من صداعات الإيجار واقتطاع جزء كبير من المرتبات إن وُجدت وكم قدرها).. (الحارة مائة بالثورات كانت عبارة عن حفر وخيران.. تقف عندها وتنظر شمالاً فلا ترى سوى جبال كرري التي كان الناس يسافرون إليها.. سمّاها أحد رسامي الكاريكاتير «بالحرامية» انظر إليها اليوم كيف هي وأين موقعها من مدينة أم درمان والحارات في مدينة الثورة). عندما تم توزيع مدينة الثورة في عهد عبود في الستينيات قال بعض أهل أم درمان.. إنهم لن يذهبوا إلى تلك البقعة النائية، وبعضهم وصفها بأنها خلف المقابر (أحمد شرفي والبكري).. فأين هي مدينة الثورة الآن.. إنها صارت في قلب أم درمان.. الصحفيون الآن سوف يسكنون في بيوتهم الجديدة «المحسّنة والمطوّرة» الجديدة شمال الحارات (75 و 76)، وهنالك بشر سودانيون محترمون يسكنون في بيوت الإسكان التي نالوها بعد طول انتظار وفئة أعلى بكثير من فئات الصحفيين وهم يحمدون الله ويشكرون بأن وجدوا أمتاراً مربعة في تلك الحارات التي فاقت السبعين حارة بل بلغت المائة فما فوق (وانظر كم منزل في الحارة.. وكم أسرة في المنزل وكم فرد في الأسرة) إذا علمنا ماذا يعني أن تمتلك عبر أقساط مريحة منزلاً زادت عدد غرفه أم قلّت.. به غرفة ومطبخ «وحمام».. وكهرباء ومياه فذلك يعني الكثير إن كنا ندرك تلك القيمة.. في ذات الوقت فإن ذلك لا يعني شيئاً لدى البعض الآخر ووجَّه إلينا سهام النقد والإقلال من قيمته فإننا نكون قد حققنا جانباً من رؤيتنا ونعتبر أننا قد أنجزنا ما لم يتحقَّق طوال الفترات الماضية منذ أن نشأ هذا الاتحاد عام (1946م) وما لم تسبقنا إليه الكثير من الاتحادات والنقابات بالمنطقة في تزامن مع الأدوار الأخرى التي ندرك أهميتها وضرورتها ووجوبها في الدفاع عن الحريات الصحفية والدفاع عن الصحفيين وبين أيادينا كتاب كامل في هذا الأمر لا يستطيع كائن أن يدَّعي غيرها بالتاريخ وسنقوم بنشر كتابنا بذلك حتى لا يدَّعي البعض أننا اتجهنا إلى الإسكان وانصرفنا عن الدفاع عن الحريات.. وسيكون ذلك أمراً مذهلاً للكثيرين الذين ينسون هذا الجانب المهم الذي نضطلع به كدور وواجب أساسي.. إلى جانب مشاركاتنا في جميع الفعاليات والمؤتمرات التي نبحث فيها هذه القضايا في إفريقيا والعالم العربي وعلى المستوى الدولي.. قال تعالى في محكم التنزيل: (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون) صدق الله العظيم..