وأعجب منه أن تدري من وقت لآخر ولحكمة يعلمها هو العزيز الحكيم، يبتلينا الله بولاة هم أشد خطورة على الخلق وسائر المخلوقات من الزلازل والبراكين والأوبئة والطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم. السيد والي ولاية سنار خرج علينا ينادي بأن حظيرة الدندر القومية كبيرة جداً، وعليه سيقوم باستقطاع ما يراه منها، وأن موضوع الحيوانات التي تقطن الحظيرة ليست له أهمية في نظره ويعتبرها ضيوفاً عليه، وهو يقول إنه لا يرضى أن يستضيف أحداً ثم يقول له «يا سيدي» أو شيئاً من هذا القبيل. ومن قبلها قام ذات الوالي باجتثاث سبع آلاف شجرة من السنط لتمرير خطوط الكهرباء، كما هو موجود في مضابط الهيئة القومية للغابات. في حين إنه كان بالإمكان تفادي ذلك لو نسق مع الهيئة ليمد خطوط الكهرباء من خلال خطوط النار التي تملك الهيئة خرائطها. ونقول للسيد الوالي نعم إننا نفخر بأن محمية الدندر الاتحادية كبيرة، ولكنها ليست كبيرة على الذين يفهمون التناغم البيئي الذي فطر الله عليه الأرض، إذ يقول جلّ شأنه «والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل شيء موزون» الحجر: «19». وقد ظل فخرنا ودفاعنا عن محمية الله في أرضه الدندر التي تبلغ مساحتها «3.500» ميل منذ أن أعلنتها الهيئات الدولية محمية طبيعية عام 1935م، باعتبارها إرثاً إنسانياً يُحفظ لجميع الأجيال. فهي أكبر محمية طبيعية في إفريقيا شمال خط الاستواء، وأقرب محمية طبيعية لأوربا. والعيب ليس في المحمية ولا في حجمها، ولكنه فينا نحن الذين لم نحسن إدارتها والحفاظ عليها واستغلال مواردها في السياحة التي كانت ستدر دخلاً يفوق أي دخل آخر. ولو كنت والياً على سنار مثلك لجعلتها مورداً من الموارد الطبيعية المتجددة ذات العائد المستدام، ولباهيت بها الأمم واستعنت بكل الخبرات العالمية لتحقيق ذلك. ويومها لأدركت قيمة العمل العظيم والإنجاز الحقيقي الذي لا يدنو منه استعراضك لطابور من طوابير التأييد ينتهي بانتهاء مراسم المناسبة، ويا لكثرتها من مناسبات كغثاء السيل تأخذ ولا تعطي. والحيوانات والأحياء الأخرى ليست ضيوفاً عليك، بل إن وجودهم على أرض سنار قد سبقك بمئات الملايين من السنين لم تكن أنت فيها شيئاً مذكوراً. إن الثديات مثل الغزلان والجاموس والزراف والأسود والنمور قد انتشرت بعد انتهاء العصر الطباشيري عصر انقراض الديناصورات منذ ستين مليون سنة.. مَنْ الضيف ومَنْ المضيوف إذن؟ ومن سيد المكان؟ وأين كنت أنت قبل ستين مليون سنة؟ وأود أن أتقدم لسيادتكم بهذه المعلومات وجهود الذين بدأوا عملاً لو ساعدتهم عليه لآتى أكله. «بدأ تنفيذ مشروع تنمية وتطوير محمية الدندر الاتحادية في يونيو 2000م، وكانت فترة المشروع ثلاثة أعوام. والجهة المشرفة على المشروع هي المجلس الأعلى للبيئة والموارد الطبيعية بوزارة البيئة والتنمية العمرانية. والجهات المنفذة هي المجلس الأعلى للبيئة والموارد الطبيعية والإدارة العامة لحماية البيئة والحياة البرية. والتمويل من برنامج الأممالمتحدة الإنمائي UNDP والمرفق العالمي للبيئة GEF وحكومة السودان، ومساهمات عينية ومشاركة في التنفيذ. يقول الخبير الوطني الدكتور/ معتصم بشير نمر وهو من أميز علمائنا الذين نفخر بهم، وهو المدير الوطني لمشروع تنمية وتطوير محمية الدندر الاتحادية: يهدف المشروع لتنمية محمية الدندر القومية إلى صون وتعمير النظم الايكولوجية بالمحمية والمحافظة على التنوع الاحيائي بها، وأيضاً يهدف المشروع إلى إشراك المجتمعات المحلية داخل المحمية وفي المناطق المتاخمة لها في الاستخدام الأمثل للموارد الطبيعية بما يحقق التنمية المستدامة للموارد، إلى جانب رفع المستوى المعيشي للمواطنين. وأيضاً يهدف المشروع إلى معالجة الخلل في خطط استخدامات الأراضي والموارد الطبيعية التي تنعكس سلباً على محمية الدندر، وبصفة خاصة من خلال تسلل الرعاة بماشيتهم بحثاً عن الكلأ والماء، مما يسبب الكثير من الآثار الضارة على بيئة الحيوانات البرية بتناقل الأوبئة بين الحيوان البري والأليف، كذلك يقوم الرعاة بالصيد الجائر وإبادة بعض الحيوانات المفترسة كالأسود. واهتم المشروع بتخصيص مساحات كبيرة للرعي مع تحديد المسارات وتحسين نقاط المياه، وقد بدأ هذا البرنامج بإعداد خطط استخدامات الأراضي في الولايات الثلاث: سنار، النيل الأبيض والقضارف. وتم عقد ورش عمل في هذه الولايات بتحديد مساحات محددة باعتبارها مراعي محجوزة لزيادة الرقعة الرعوية وتحسين المراعي وتوعية الرعاة، وذلك للحد من التغول على المحمية ومواردها، وفي هذا المنحى فقد تم اجتماع بين إدارة المحمية وقبائل الفلاتة بمنطقة الرهد، وتم الاتفاق على الاتصال بالولايات وبالحكومة الاتحادية بغرض الحد من مشكلات تغول الرعاة على المحمية. أما في إطار برنامج عمل المجتمعات فقد ترسخ نشاط لجان تطوير القرى في توفير الدعم للمناشط المدرة للدخل للمواطن، حيث تقوم لجنة قرية «العبيك» بمشروع ناجح في الزراعة الغابية. أيضا قام المشروع بتوفير بدائل للطاقة في أم الخير وأم بقرة والشبعانة بتوفير الطاقة المتمثلة في أنابيب للغاز والمواقد، وقام المشروع بالتعاون مع وزارة الطاقة بتوفير وحدات طاقة شمسية للمدارس والمستشفيات والمراكز الاجتماعية للقرى المتاخمة للمحمية في الولايات الثلاث. وأنجز المشروع حلقات تدريبية مختلفة للمواطنين في مجالات إدارة الموارد الطبيعية والمداخل وإدارة المشروعات. أما في مجال العمل مع إدارة شرطة الحياة البرية بالمحمية السياحية، فإن العمل يجري الآن، وتم إدخال الطاقة الشمسية وتوفير المياه وأجهزة الاتصال السريع بنقطة قلقو «رئاسة المحمية»، وتم ربط النقاط المختلفة بالمحمية عبر وسائل اتصالات سريعة ثابتة ومتحركة. أيضاً تم توفير عدد «2» موتر سايكل بأربع عجلات ليسهم في أعمال الاستكشاف. أيضاً نفذ المشروع العديد من البرامج في تنمية المجتمع هي حفر عدد من المضخات اليدوية في عدد من القرى المتاخمة للحظيرة، وإنشاء مشروعات للأسر المنتجة، وذلك بهدف الحد من الاستيطان البشري في المحمية وإيقاف الصيد الجائر والاحتطاب. أيضا تم شراء «17» جملاًً لقوات شرطة الحياة البرية بهدف الحراسة في فصل الخريف للمراقبة والمسوحات وتحديد مواقع برك المياه بنهر الدندر. وقد اكتمل إعداد الخطة الإدارية للمحمية التي شارك في إعدادها الخبراء الوطنيون بإشراف خبير أجنبي من جنوب إفريقيا، وشارك في مناقشة برامج العاملين بالمحمية. أيضاً في مجال صيانة الآبار والمضخات والمسوحات تم إدخال أجهزة الاتصال وأجهزة توصيف المواقع الجغرافية GPS وتم اختيار مشروع تنمية وتطوير محمية الدندر ضمن مشروعات أخرى في مختلف قارات العالم، وذلك لاستنباط الدروس، والعمل مع المجتمعات بغرض إعداد مرشد عالمي لصون المحميات الطبيعية في إطار العمل مع المجتمع». هذا هو العمل الذي كان سائداً، ولو وجد من سيادتكم الدعم لكنتم قد جنيتم حصاده الآن، بدلاً من التلويح بكنس محمية الدندر التي ستغادرونها حتماً يوماً ما. آخر الكلام: دل على وعيك البيئي والتنموي المستدام برسم خطة إستراتيجية نافذة للاستفادة القصوى من محمية الدندر.. لا تنقصها ولا تقطعها، بل سلمها كاملة للأجيال القادمة.