من المؤكد أن والي نهر النيل الهادي عبد الله سيدلف إلى مكتبه غدًا وهو في غاية الاطمئنان بعد أن ظلّت الباحة شرق مقر أمانة حكومة الولاية بالدامر في قبضة المتأثرين من قيام سد مروي الذين ظلوا معتصمين بها منذ نوفمبر من العام الماضي، ولعلهم قد بدأوا مغادرة الميدان منذ الأمس بعد أن طوت الحكومة الملف بسلام.. ولكن هل ستعي الحكومة الدرس بعد أن كاد يبتلعها طوفان الغضب في نهر النيل؟ انتهت الأزمة التي سبحت في بحرها كل الأحزاب المعارضة بلا استثناء، حيث باتت الدامر مزاراً لجلّ القيادات السياسية المعارضة، وقد سبق لرئيس حزب الأمة الصادق المهدي أن وصف وحدة السدود المتهم الاول بالتسبب في الاعتصام ب«نعامة المك الما في زول بيقول ليها تك» وكان المدير العام لوحدة تنفيذ السدود محمد الحضري قال في لقاء تنويري بمباني الكهرباء إن إعلان اعتصام المناصير تم «هنا في الخرطوم» قبل زهاء الأشهر الثلاثة، وإن ما حدث في دار حزب الأمة بأم درمان من تأييد لمطالب المناصير لا يمكن تفسيره سوى أنه «شغل» سياسي. وإجمالاً لما أوردناه كان واضحاً البعد السياسي للقضية العادلة التي انتهت بتعهُّد الحكومة بإنفاذ حزمة من المشروعات في مناطق الخيار المحلي فوراً ولكن الأمر قد يستدعي مراجعة ما حدث وتحديد مكامن الخلل وعن دواعي الأسباب التي أدت لتفاقم المشكل لعدم تراجع المتأثرين عن مطالبهم المعلنة بتوطينهم داخل أراضيهم، فضلاً عن تعويضهم وتوفير كل الخدمات اللازمة مقابل رفض وحدة السدود التوطين حول البحيرة وتحديد مواقع أخرى وفق رؤيتها. برزت عدة عوامل من خلال الأزمة أولها: اليد الطولى لوحدة تنفيذ السدود دون وجه حق بدليل اقتراح مسؤولين معالجة الملف بمعزل عن وحدة السدود بالاستدلال باستمرار الاعتصام لفترة طويلة فضلاً عن تراجع درجات الثقة بين حكومة الولاية والمواطن وشمل الأمر المركز وتحديدًا وزارة الكهرباء والسدود المناط بها تحقيق أكبر فائدة للمواطن من خلال المشروعات التي تقوم بتنفيذها سيما وأن هناك مشروعاً آخرَ يماثل سد مروي ضخامة ويليه مباشرة باعتباره من المشروعات التي تعوِّل عليها الحكومة وهو مجمع سدي أعالي نهري عطبرة وستيت الذي يقع بين ولايتي كسلا والقضارف والذي يهدف لتأمين مصادر المياه للشرب وزيادة الرقعة الزراعية بالولايتين، علاوة على توليد طاقة كهربائية في حدود« 320 ميقاواط» هذا إلى جانب ري مساحات زراعية جديدة في الولايتين تقدر ب «850» ألف فدان، فضلاً عن تأمين مشروعات البنى التحتية للمتضررين من قيام السد وتغذية الأحواض الجوفية بالمنطقة كافة، وتحديدًا في مجالات التنمية الاقتصادية والعمرانية من خلال تنفيذ المشروعات المصاحبة للمشروع في الجوانب الصحية والتعليمية والاجتماعية وإنتاج الثروة السمكية بحجم «1700» طن سنوياً. وكان البعض قد طالب الحكومة بإدارة ملف سدي عطبرة وستيت بصورة مغايرة للطريقة التي أدير بها ملف المناصير الناجم عن سد مروي حتى لا تفرِّخ المشروعات الضخمة إشكالات بين الحكومة والمواطن. فضلاً عن أن المشكلة كشفت ضعف التنسيق بين المركز والولاية مما جعل كل طرف يدفع بالملف للجهة الأخرى مثل ما جاء على لسان والي نهر النيل في الحوار الذي أجرته معه قناة النيل الأزرق «أن المطلوبات التي تليه في الولاية هو جاهز لتنفيذها، أما المرتبطة بالمركز فهو مستعد لمصاحبة وفد من المناصير لمقابلة رئيس الجمهورية بشأنها. ومهما يكن من أمر فقد دخلت الحكومة قاعة بنهر النيل واستمعت لدرس الاعتصام ولكن هل حفظته؟