من الأمثال العربية التي تداولها الناس قديماً «ثأْطَة زيدت بماء» وهي وقولك «زاد الطين بِلَّة» بمعنى واحد وإن اختلفت الألفاظ شيئاً والناظر في الأحوال التي تحيط بالعالم وتلك التي تصورنا معشر السودانيين في هذا البلد الطيب يجد ما يرتفع له الحاجب عجباً وما يثير الدهشة والحيرة ويعقد اللسان ولا يجد له تفسيراً ولا تأويلاً إلا أن يلجأ إلى الكتاب المنير الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وذلك أن الإنسان مهما أوتي من ذكاء خارق، وصفات نادرة محدود بزمانه ومكانه وإمكاناته ومن أراد أن يغالط من أهل الأهواء والبدع والمذاهب الوضعية التي ما أنزل الله بها من سلطان فإننا نحيله إلى نظرية النسبية فبعض الجهلاء قد يحسب أن طواغيت الأرض وفراعنتها ممّن نسميهم بالعلماء والحكام والملوك والفنانين وهذه الألقاب والمسميات التي ننثرها عن يمين وشمال على من قال فيهم بعض العارفين (نظرت إلى الخلق فإذا هم أموات فكبَّرت عليهم أربعاً ورجعت من جنازتهم!).. إنّه من العارفين حقاً إلا أن يكون قد قالها لكبر في صدره ما هو ببالغه فعندها يصبح أجهل من حمار والحمار الذي يُضرب به المثل مسكين ولكنه كائن متمكن مقتدر يتفوق على من يضل وهو عند نفسه من المهتدين، ويعلم الحق ويتنكب السبيل «مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفاراً» وقديما قال القائل: متأثراً بالقول الكريم: زوامل للأشعار لا علم عندهم بجيدها إلا كعلم الأباعر لعمرك ما يدري البعير إذا غدا بأحماله أو راح ما في الغرائر وكذلك الغافلون والمتعالمون وحَمَلَة الشهادات العليا «B.A، M.A، P.H.D، M.L.H، EM. Prof، Prof وغيرها وغيرها من ألقاب المملكة المشهورة وما لم يكن الواحد منهم عارفاً قدره، مدركاً لمحدوديته، متواضعًا لمن بيده ملكوت السموات والأرض فإن تلك الألقاب، وهاتيك المسميات لا تزيده إلا خبالاً على خبال ولا تزيد طينته إلا بِلَّة ولا ثأطته إلا ماءً! ما هذا الذي يجري في بلادنا وفي العالم من حولنا؟ أما من يستنير بنور الله عز وجل... أما من يهدي إلى صراط مستقيم.. أما من يرفع يديه إلى السماء قائلاً بصدق وإخلاص وتجرد «اهدني لما اختلفوا فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم» فهو المهتد الذي يخرج من الفتن المظلمة خروج السهم من الرمية أو كما قال الشريف الرضي في مجلس من مجالس الحاكم في زمانه وقد وقعت «كَعَّة»: مرقت منها مروق السهم منكدراً وقد تلاقت مصاريع الردى دوني هيهات أغترُّ بالسلطان ثانيةً قد ضلَّ ولاّج أبواب السلاطين بل أولم يُنسب إلى الشيخ فرح ود تكتوك «يا واقفا عند أبواب السلاطين؟ ولك أن تحرّف كلمة «السلاطين» قليلاً لتصبح «الشياطين» إذ الشيطان رمز للشر كله «إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدواً» فهو الذي يعد ويمنّي ويوسوس ويخوِّف ومن يكن الشيطان له قريناً فساء قريناً وفي الأخرى (ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطاناً فهو له قرين وإنهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون) بلى والله إنه العشى... إنه العمى الذي يتلوه الادعاء العريض، والتفاخر الكاذب، والفرعنة الهوجاء «أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي أفلا تبصرون؟!» زلازل سياسية تطيح الرؤوس، وزلازل طبيعية تهلك النفوس، وزلازل اقتصادية تفضي ببعضهم إلى الانتحار كما فعل ذلك الذي ألقى بنفسه في نهر التايمز بإنجلترا فهلك لا لشيء إلا لأنه أُصيب بشيء من نقص في بعض ما يملك من أدوات النشر ووسائل الإعلام فلينتبه أهل الإعلام والسياسة والمال والسلطان وليتقوا الله في أنفسهم أولاً وفي الناس من حولهم ثانياً وليحذروا ما يسمى بالطواغيت التي يقال إنها خمسة. يقال لك رؤوس الطواغيت خمسة ثم يشرعون في العَدّ وعندي أنَّ العدد هنا لا مفهوم له كما يقول أهل اللغة وأهل التفسير وأهل التفكير كما قيل في القول الكريم (إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم) ولم؟! (ذلك بأنهم كفروا بالله ورسوله والله لا يهدي القوم الفاسقين) وليس معنى الكلام والله أعلم إن استغفر أكثر من سبعين غفر لهم. فيا قومنا ويا من يسمع ويا من يعي إنني أنا وأنت وأنتم وانتن معشر البشر ويا أيها القارئ الكريم وأنت إن شاء الله ممّن يسمع ويعي.. إننا جميعاً نجمع من التناقضات والنواقص والتضارب والاختلافات ما لا يعلم مداه إلا الله الذي خلق وهدى وسوَّى فإن ذهبت تلتمس هداية من غيره سبحانه ضللت ضلالاً بعيداً فإن قيل لك استجب لله وللرسول فافعل ولا يصدنّك عن هذه السبيل فلان أو علان أو فلتكان وحاول أن تخرج من ضعفك بالتقوى بما جاءك من وحي متنزل على رسول مبين فإنك مخلوق من طين.. من تراب.. من صلصال كالفخار.. من حمأ مسنون فقد مرت بك أطوار وأطوار وأطوار ولا تخدعنك المصطلحات والكلمات التي قد تستغربها من فقه دستوري وقانون «Conistitulional Law» وأشباهها من الكلمات التي تجدها مبثوثة فيما يُعرف بكتب الثقافة الحديثة وقديماً سخر أبو عبد الله محمد بن مسلم بن قتيبة في كتابه المعنون «بأدب الكاتب» من بعض معاصريه الذين اطلعوا على بعض ما خطّه اليونان من فلسفات وهرطقات نقلت إلى العربية وجاء في الألفاظ المترجمة من أيْسٍ وليْسٍ وهَيُولي وعَرَض وجوهر ومحرِّك لا يتحرك «unmoved Mover of the universe» ما بهر أولئك المعاصرين الذين رضي الواحد منهم من دينه أن يقال عنه إنه فيلسوف دقيق النظر كما نرضى نحن اليوم أن نوصف بالمثقفاتية ونحن من الدين خواء.. إنها الفتنة التي تجعلك بثمن بخس هو أن يقال عنك إنك مفكر كبير، وسياسي بارع، ومواكب في علم الاجتماع لما يعقد من اتفاقات بائسة منكرة من أمثال «سيداو» التي تبيح زواج الأمثال!! وانظر، أيها القارئ الفاضل، لما يدور هذه الأيام من حديث عن «مشروع» «Project» للدستور الإسلامي تر العجب العجاب.. جبهة تريد أن تستلخص من كتاب ربنا وسنة رسوله مواد دستورية تعيننا في تصريف شؤوننا تعليماً وسياسة واقتصاداً واجتماعاً فتقوم الدنيا ولا تقعد.. إننا نحتاج إلى وقفة.. فيها تدبر وتأمل وانقطاع عما يصرفنا عن مهمات الأمور حتى نستطيع الطريق المفضي إلى الأمن والاستقرار والتنمية والتزكية وحتى نستطيع أن نتخلص مما نعاني من وحشة وخشية وتخوف واضطراب لئلا نزيد الطين بلَّة ، ولا الثأطة ماءً هاتفين مع أبي الطيب أحمد بن الحسين المتنبي:- كلَّما أنبت الزمان قناة ٭ ركّب المرءُ في القناة سنانا! هذا، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد الخلق اجمعين، ولك مني أيها القاريء الكريم، فضل تحية وتقدير.