أعجبني تقرير كتبه الصحفي اللامع محمد عبد السيد في (الرأي العام) عن مسرحية استرقاق السودان الشمالي ل «35» ألف جنوبي خلال فترة التسعينات والتي طرحها وفد الحركة الشعبية بقيادة باقان أموم خلال المفاوضات الأخيرة بين وفدي الحكومة السودانية والحركة الشعبية كإحدى القضايا العالقة التي ينبغي أن يحصل الجنوب على تعويض هائل عنها من الشمال!! محمد عبد السيد شبّه باقان أو وفد الحركة الشعبية بالمرابي اليهودي شيلوك في مسرحية شكسبير الشهيرة (تاجر البندقية) The Merchant of Venice والتي تحكي عن أبشع صور الجشع والشراهة لكنني والله لا أرى ذلك التاجر اليهودي إلا قطرة في بحر الشرّ والسوء والأحقاد الوالغ فيه باقان ذلك أن شيلوك يصدر عن جشع يجعله يُخضع كل القيم الإنسانية لسلطان المال أما باقان فإنه يصدر عن حقد تنوء عن حمله السماوات والأرض والجبال. الوقائع التي استدعتها ثلة الحاقدين باقان وأولاد أبيي (دينق ألور ولوكا بيونق وإدوارد لينو) تتمثل في الفِرية التي نشطت فيها البارونة البريطانية كوكس خلال فترة التسعينات زاعمةً أن المسيرية وسكان مناطق التماس من العرب الشماليين درجوا على استرقاق أبناء الجنوب خلال فترة التسعينات والغريب في الأمر والذي يعكس انحطاط هؤلاء الأوباش أن الحركة صمتت صمت القبور عن هذه المزاعم خلال جولات نيفاشا التي تمخَّضت عن ذلك الاتفاق المهين والظالم للشمال ثم سكتت عن هذا الأمر طوال الفترة الانتقالية التي حكمت فيها جنوب السودان بالكامل وشاركت بمنصب النائب الأول لرئيس الجمهورية في حكم الشمال مع أكبر حصة في الحكم لكنها فجأة انتابتها (صحوة ضمير) جعلتها تتذكر أولئك (المسترَقّين المساكين) الذين انفجرت وبصورة فجائية دموع القوم حزناً عليهم لزوم تعظيم الفائدة وتحصيل أكبر عدد من غنائم التفاوض التي برعت الحركة في جمعها جراء هرولتنا في إرضائها وتهافتنا على الاستجابة لأجندتها المتحرِّكة والمتجدِّدة بلا نهاية. البارونة كوكس التي لطالما صالت وجالت عارضة أفلام الفيديو المدبلجة والمزوَّرة في تلك الأيام والتي انكشف أمرُها حين ثبت بالأدلة القاطعة أن عمليات الاسترقاق التي كانت تُبثّ في بعض القنوات الأوروبية والأمريكية لزوم استدرار عطف المانحين والمتبرِّعين لإنقاذ أولئك الرقيق المزعومين.. أقول إن تلك العمليات المصنوعة انكشف أمرُها حين ثبت أن ضباطاً من الحركة الشعبية وتجاراً وسماسرة من عرب قبائل التماس تورطوا في خداع المنظمات الدولية أو التآمر معها وأذكر أننا بثثنا أيام كنتُ في التلفزيون اعترافات كشفت عن زيف تلك المسرحيات المصنوعة لتكثيف الضغط على الحكومة وعلى الشمال بصورة عامة وجلب المال لتجار الحرب بمن فيهم تلك البارونة التي نرى تكراراً لها في أمريكا من خلال أعداء السودان الشمالي في الكونجرس الأمريكي والمنظمات الأمريكية والسياسيين والمحافظين الجدد ولعل القانون الجديد الذي يُطبخ هذه الأيام في الكونجرس الأمريكي لابتداع وسائل ضغط جديدة على السودان الشمالي يكشف عن تلك الحملة التي لم تتوقف وكانت على الدوام تتخذ أشكالاً مختلفة من بينها قصة الاسترقاق التي استُدعيت في الجولات الأخيرة من التفاوض. يفعلون ذلك بالرغم من علمهم أن القبائل الجنوبية اليوم يبيد بعضها بعضاً وبالرغم من أن الدينكا كانوا هم أكبر تجار الرقيق في قبائل الفرتيت وغيرها من القبائل الجنوبية المستضعَفة. ما يدعو إلى الحسرة ويفْري الكبد أننا في السودان الشمالي بسبب ضعف تربيتنا الوطنية أو خيانة وانحطاط بعض بني جلدتنا لا نزال نذرف الدمع السخين حزناً على فراق باقان وقبيله بالرغم من أن باقان هذا قال وهو يفارق بلادنا: (ارتحنا من وسخ الخرطوم) كما قال: (وداعاً للعبودية).. قال هذا بالرغم من التدليل الذي أفضناه عليه خلال الفترة الانتقالية وبالرغم من الكيد الذي مارسوه على السودان الشمالي الذي كانوا يؤلِّبون العالم عليه ويسافرون إلى أمريكا ليخاطبوا إدارتها وزعماءها ومجلس شيوخها حتى يستمروا في تضييق الخناق على الشمال وشعبه الذي كان يفتح لهم أبوابه ودُوره حتى عندما كان جيشُهم الشعبي يتمرَّد على الدولة ويقتل خيرة أبناء الأمة وعلمائها. بالرغم من كل ما يفعله باقان ودينق ألور وسلفا كير وما يحملونه من أحقاد ويُضمرونه من شرور تجد بعض بني قومنا يتآمرون معهم علينا وينخرطون في إنفاذ أجندتهم (لتحريرنا) ألا تراهم لا يزالون يُصرُّون على تسمية حركتهم حتى بعد أن أنشأوا دولتهم (الحركة الشعبية لتحرير السودان)؟! خبِّروني عمّا يفعلُه عبد الواحد ومني أركو مناوي وجبريل إبراهيم وعملاء الحركة الحلو وعقار وما يفعله الرويبضة القديم عرمان ثم ما يفعله الرويبضة (الجديد اسماً) أبو عيسى بل خبِّروني عن أصحاب اللِّحى أمثال الترابي الذي كان أيام السلطة يحرِّض الشباب على محاربة قرنق بينما اليوم يتحالف معهم ويتحدَّْث عن عودة الجنوب إلى حضن الشمال بعد أن يتخلّى الشمال عن شريعة ربِّه استرضاءً لباقان وغيره من أعداء الله ورسوله وأعداء السودان الشمالي وشعبه!!