رغم انتظار السودانيين للتاسع من أبريل القادم باعتباره آخر يوم لوجود الجنوبيين بدولة السودان، كما ذكر نائب رئيس الجمهورية د. الحاج آدم يوسف الأسبوع الماضي، إلا أن الاتفاق الذي وقعت عليه الحكومة مساء أمس الأول بأديس أبابا مع دولة الجنوب تم من خلاله الاتفاق على تشكيل لجنة وزارية لتوفيق وترتيب أوضاع مواطني الدولتين، واتفاق مبدئي للحريات الأربع، فتصبح الاتفاقية الحالية من أكثر العواقب استمرارية للانكماش الجاري على السودان وإحدى أهم المحاولات الدولية الملموسة للتخلص من بعض قضاياه الرئيسة. كما أنه ليس من الواضح أن تلك الاتفاقية سترقى إلى مستوى طموحات السودانيين من الحكومة، خاصة أن تيارات الحزب الحاكم «المؤتمر الوطني» ظهرت في شكل مذكرة الشباب لأنهم غير متوافقين مع السياسة التى ترسم للسودان، هذا بخلاف أن الأغلبية لم تتسن لها إمكانية الأدلاء برأيها حتى تتوافق مع تلك الاتفاقية، فالسودانيون صدموا بتلك الاتفاقية كما صدم العرب عند حصول النكسة، لذا فمن المؤكد أن تكون للاتفاقية تغييرات قادمة وراءها عميقة وحتمية ومرغوبة، فقد أعطتنا المفاوضات التى كانت تجرى اعتقاداً مطولاً بما كان يعرف بأنه في الأصل «خطأً» في ما يتعلق بمفاوضات ما بعد انفصال الجنوب وكأنها ضرورية لأجل إعادة تخطيط السياسة الأساسية للسودان مع الجارة الجديدة، لكن بعد اتفاقية نيفاشا أوضحت لنا أن النماذج الأساسية لرسم السياسة قبل الأزمة لا بد أن تخضع لتغيير عميق، ومع ذلك كانت الحاجة أيضاً لتغيير واضح منذ وقت طويل، لذا فإن طبيعة الاتفاقية التى لا تتواءم فعلياً مع السودانيين وتوقيتها المفاجئ، تبرهن أن الحكومة استخدمت مع الشعب أسلوب الصدمة لتمرير بعض أجندة تلك الاتفاقية التي لم يستفد منها أي سوداني بخلاف دولة الجنوب. وهنا يأتي السؤال: هل سيقبل السودانيون اتفاقية الحريات الأربع بهذه الصورة المهينة؟ خاصة أن الخرطوم بدأت تنازلاتها لجوبا بتخفيض رسوم عبور النفط وحرية دخول الجنوبيين في السودان، مما قد يعني استمرار البلاد بدون شريعة إسلامية. ولعل خطوة الاتفاقيات القادمة هي قيام مفوضية جديدة لغير المسلمين باسم اتفاقية الحريات الأربع وبعد غدٍ اتفاق نيفاشي جديد، وربما كونفدرالية قائمة على اتفاقية الحريات الأربع، فماذا كسب الشعب السوداني؟!