أدى ازدياد عائدات الأقطار العربية المصدِّرة للنفط إلى قرابة مائتي مليار دولار إلى استقدام قوة عمل ضخمة من جميع مستويات المهنة والمهارة من بعض الأقطار العربية المصدرة للأيدي العاملة مثل مصر واليمن والسودان والأردن وغيرها وتعتبر المكاسب الاقتصادية من التأثيرات الإيجابية التي تجنيها الأقطار المصدرة للأيدي العاملة نتيجة لتحويلات المهاجرين والتي بلغت عام 1994م أقصى حد لها وتتسم الدراسات التي تناولت الهجرة السودانية للخارج بالندرة نظراً لحداثة هذه الهجرة نسبياً كما أن المعلومات المتوفرة تُظهر أن الهجرة من السودان لم تكن ذات وتائر عالية قبل عام 1975م وهو العام الذي أخذ فيه منحى الهجرة اتجاهاً تصاعدياً وهذا لا يعني أن هجرة السودانيين إلى الخارج لم تكن معروفة سابقاً فهناك هجرات تاريخية عريقة مثل هجرة النوبيين إلى جمهورية مصر العربية وإن اختلفت في طبيعتها واتجاهاتها، وهجرتهم إلى لبنان واليونان حيث قدر تلك الهجرة باحث سوداني، وبعد اكتشاف النفط في اليمن وتوسيع خدمات الصحة والتعليم والمياه وشق الطرق ومشروعات البناء ازداد عدد السودانيين وقد سعت دولة قطر إلى التعاقد مع أعداد كبيرة من السودانيين في بداية التسعينيات في مجالات التعليم العالي والطب والهندسة والصيرفة وغيرها الأمر الذي أدى إلى ازدياد أعدادهم بشكل ملحوظ بالرغم من عدم وجود إحصائية رسمية تحدد العدد وقد قدر السودانيون في بريطانيا عام 1978م بحوالى «1500» سوداني وإن هذا العدد قد ازداد خلال الثمانينيات والتسعينيات بشكل لافت للنظر وقدر عدد السودانيين المهاجرين إلى العراق بأكثر من «41000» مهاجر واتفقت الدراسات في ميدان الهجرة بشكل عام وهجرة السودانيين بشكل خاص على أن الهجرة للعمل خارج السودان قد استقطبت الفئات العمرية الشابة القادرة على العطاء والإنتاج، ومن هذا يتضح أن السودان أمام مشكلة فقدان فئة مهمة من مجموع سكانه وتصبح المشكلة أكثر وضوحاً إذا اقترن متغير العمر بمتغير الجنس الذي يعني فقدان البلاد للشباب، كما اتفقت الدراسات السودانية على أن المهاجرين السودانيين للعمل بالخارج يتميزون بارتفاع مستوياتهم التعليمية مقارنة بأقرانهم من غير المهاجرين وإذا ما اتجه الحديث إلى الخصائص المهنية للمهاجرين فإن بعض الدراسات حددت التركيب المهني للسودانيين العاملين في أقطار الخليج العربية بفئة الحرفيين من البنايين والنجارين والحدادين والميكانيكيين وفئة الفنيين والعمال المهرة والعمال العاديين وهذا كله يعني أن السودان يفقد خيرة أبنائه الذين يستطيعون تقديم الكثير في مجالات العمل المختلفة، وإذا ما اتجه الحديث إلى آثار الهجرة على الصحة النفسية والعقلية للمهاجر فإن الخبرة لأحد المهاجرين منذ عام 1987م جعلته يعرض صوراً متعددة عن التأثير السلبي للهجرة على الحياة النفسية للمهاجر تقود في النهاية إلى حالات تقترب كثيراً مما يحصل لدى المهاجر السوداني وكل ذلك يسمح بتقديم صورة نفسية لما يُحتمل أن يحصل للمهاجر السوداني وهو يلقي بعصى الترحال في بلاد غير بلاده، فالمهاجر السوداني يعاني من مشكلة العزلة الاجتماعية والنفسية جراء انتقاله من البيئة والمجتمع الذي ألفه إلى آخر جديد غير مألوف لديه الأمر الذي قد يولد لديه نوعاً من الإحساس بالحرمان مصحوباً بالشعور والحنين إلى الوطن والتفكير الدائم فيه وقد يترافق معه الحزن والأرق وفقدان الشهية وحالات من القلق في المراحل الأولى من الهجرة وقد تزداد حالات القلق عندما لا يستطيع المهاجر السوداني تحمل الوحدة واللغة الجديدة، كما أن الهجرة إلى مجتمع جديد تعني احتكاكاً بأهل البلد الأصليين والتطبع بأخلاقهم وعاداتهم وحتى يحقق المهاجر السوداني وضعاً اجتماعياً واقتصادياً أفضل فإن عليه تحوير وتعديل بعض القيم الثقافية التي جلبها معه وقد يجد صعوبة في التكيف مع الوضع الجديد الأمر الذي قد يؤدي إلى خلق مشكلات تتمثل في حالات الاضطراب النفسي لديه وإن بعض الدول العربية تفرض بعض أقطارها قوانين للإقامة على المهاجرين وعلى المهاجر السوداني كذلك.