يوم الاثنين الماضي احتفت فضائية الجزيرة بمراسلها الرائع تيسير علوني بعدما أنهى رحلة سبع سنوات في غيابة الجب “الإسباني” تراوحت بين السجن والإقامة الجبرية، وهي رحلة فرضت على تيسير ظلما لأسباب تافهة تستحي منها دولة من دول العالم الثالث، فضلا عن دولة أوروبية تدعي الديمقراطية والحرص على حقوق الإنسان. يعلم الجميع أن تيسير علوني لم يرتكب جرما يستدعي هذه السنوات من العقوبة؛ لا بحق إسبانيا ولا بحق أي طرف آخر، وقد أنصفته المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان عندما أقرت مؤخرا بالظلم الذي تعرض له وحقه بناءً على ذلك في التعويض. لقد دفع تيسير ثمن التبعية الإسبانية للأمريكان الذي يقفون خلف اعتقال تيسير عقوبة له على فضح جرائمهم في أفغانستان والعراق، فضلا عن حقيقة أن استهدافه كان من زاوية أخرى استهدافا للجزيرة التي لم تتوان عن فضح جرائم الاحتلال في أكثر من مكان. كان تيسير وحيدا في أفغانستان ينقل وقائع الحرب هناك، ويفضح جرائم المحتلين، فردَّ المحتلون باستهداف مكتب المحطة بالقصف، وعندما غادر أفغانستان وذهب إلى العراق ليمارس ذات المهمة، كان ذلك بمثابة التحدي للقتلة، فكان الاستهداف التالي عبر الإسبان بذلك الاعتقال الجائر والمعيب في آن. لتيسير حكايته مع البحث عن الحقيقة وتحدي الأخطار، وهو من النماذج الصحفية الفذة التي لم تتردد في خوض المغامرات الصعبة، بينما كانت الجزيرة هي الحاضنة التي قدمت أمثاله من المراسلين الشجعان للجمهور، ومن ورائهم جنود مجهولون (مصورون ومحررون وعاملون) لا يعرفهم الناس كانوا عماد تفوقها طوال الوقت. وقد كانت مناسبة استثنائية أن يجري الاحتفال بالافراج عن تيسير في ذات الوقت الذي تحيي فيه الجزيرة مناسبة عام على استشهاد المصور القطري علي الجابر الذي اغتالته يد الغدر أثناء عمله في ليبيا إبان الثورة. يخرج تيسير من السجن بينما يعيش بلده سوريا ثورة عارمة كان يعايشها بروحه ونبض قلبه. ثورة كان ينتظرها منذ زمن؛ هو الهارب من بطش النظام ومؤسسته الأمنية الدموية. ولا نعرف ما الذي سيفعله في مواجهة هذه اللحظة الراهنة، ولعلنا لا نستغرب رؤيته ذات زمن قريب يخوض المغامرة هناك من أجل كشف المزيد من الحقائق، ومن أجل نصرة شعبه الثائر الذي يواجه آلة قمع دموية بشعة لم تعرف لها الثورات العربية مثيلا. يخرج تيسير أيضا بينما تتكاثر سهام النقد والتجريح والتخوين على الجزيرة، أولا بسبب موقفها من الثورات العربية التي نصرتها منذ اللحظة الأولى، وثانيا بسبب موقفها من سوريا التي يتمتع نظامها بجحافل من الشبيحة الذين يتوزعون في طول الإعلام العربي وعرضه، فضلا عن سياسيين وحزبيين يعتبرونها متآمرة على “نظام المقاومة والممانعة”؛ هم الذين كانوا يعتبرونها قبل حين من الزمن طليعة الثورة يوم كانت تقف مع حزب الله في معركة تموز 2006 وقبلها وبعدها، وقبل ذلك وقوفها مع المقاومة في العراق. على الجزيرة أن تكون كما يريدون كي تستحق الثناء المستمر، لكن الجزيرة أصرت على أن تكون كما يريد لها المواطن العربي المقهور؛ صوتا للحق والحقيقة. صوت من لا صوت لهم، أعني جماهير الشعوب التي تعاني القهر والظلم. يخرج تيسير من غيابة الجب لكي يواصل مهمته، ولا يتوقعن أحد منه أن يستقيل من رسالته، أو يأوي إلى الظل، سواءً عاد مراسلا حربيا يطارد الحقيقة هنا أو هناك، أم بقي في موقع المحطة يرصد ويتابع ويوجه التغطية مع بقية زملائه. يبقى القول إن وقفة الجزيرة مع تيسير في محنته هي جزء من تميزها كمؤسسة لا تتخلى عن أبنائها، إذ بقيت معه طوال الوقت، تماما كما وقفت مع سامي الحاج في محنته في “جوانتانامو”. ولا شك أن مثل هذه الوقفات إنما تخدم رسالة المحطة وتميزها واستمرار صدارتها للإعلام العربي مهما أرجف المرجفون وشكك المشككون.