في موازنة للأبعاد جميعها نستطيع أن نستنتج أن محاولة من يطلقون على أنفسهم «الجبهة الثورية السودانية» إظهار نصر الدين الهادي المهدي بأنه نائب رئيس حزب الأمة القومي وممثله في الجبهة وكذلك التوم هجو ممثل الحزب الاتحادي «الأصل» بزعامة مولانا محمد عثمان الميرغني، إظهارهما بهذه التسمية وفي هذا الدور ما هو إلا محاولة للتجمل أمام الشعب السوداني لاستدرار عطفه وإيقاع الحرب النفسية على الحكومة التي هي الأخرى قد تعودت على كل أنواع وأشكال التخويف وبرعت في إدارتها للضغوط.. الحديث عن اجتماع مطول لقيادات «الجبهة الثورية» مع هذين الرجلين وتناول موضوعات عميقة تتعلق بالسياسة السودانية وإيجاد خريطة طريق لتوحيد القوى السياسية المعارضة في جبهة موحدة للإجماع والديمقراطية وإقامة نظام جديد في السودان، إظهار الخطاب بهذا الوضع هو محاولة تجديد أو تحويل فقط للمصطلحات وإيهام الرأي العام العالمي والإقليمي وتضليله بأن الجبهة الثورية قد كسبت عناصر جديدة وأحزابًا جديدة من معارضة الجهاد المدني لكنني أسأل وأقول متى خرج نصر الدين الهادي المهدي والتوم هجو متى خرجا من هذا الجسم؟؟!.. الاثنان من الأعضاء المؤسسين لهذا الجسم الذي أعلن منذ الوهلة شعار التغيير بقوة السلاح وحينما وجد عدم توازن في هيكله وبنائه الهش أصبح يخطط للظهور بشكل جديد يتكيف مع الرسائل الأمريكية التي بعثت بها إلى «الخرطوم» فيما يتعلق بتغيير النظام وجدوله الزمني!!. التوم الشيخ موسى هجو هو من بيت السجادة السمانية «اليعقوباب» غير أنه ظل في مواقف سياسية قلقة ومتأرجحة وأحياناً كثيرة يوصف بأنه «غواصة» كبير ظل يتلاعب بمواقف الاتحادي الديمقراطي في كل الحقب السياسية التي مرت على السودان ولم يستقر به الحال في مسقط رأسه «سنار» هجرها أكثر من مرة متجولاً ما بين ليبيا وإريتريا ثم إثيوبيا فهو الذي حمل مولانا «الميرغني» إلى بوابة التجمع المعارض وكان ممثلاً للتجمع في «الحوار» الذي خلص إلى اتفاقية القاهرة، التوم هجو رجل أمريكا وتربطه بها علاقات وطيدة هاجر إليها سنوات وأسس له بها مركزاً تجارياً وكان يشغل منصب رئيس الحزب الاتحادي الديمقراطي في الولاياتالمتحدةالأمريكية، التوم هجو لا يعرف عن معاناة الشعب السوداني شيئاً ولم يعش بينه حتى يخطط للانتفاضة والكفاح المسلح لإسقاط النظام الذي انتخبه الشعب السوداني، هذا الرجل لم يوف حتى لحزبه الاتحادي فقد خرج عنه مرات ثم عاد لصفوفه وكانت آخر عودة له إبان الانتخابات الأخيرة وترشح باسم الاتحادي لمنصب والي سنار وعندما فشل خرج من منزله بسنار وذهب إلى والي النيل الأزرق وقتها مالك عقار ليتم تعيينه مستشاراً للشؤون الدينية والأوقاف في وقت لم يتوصل فيه المؤتمر الوطني والاتحادي الأصل إلى اتفاق للمشاركة لكنه تفلت وخرج على الحزب في حالة من عدم التوازن المبدئي والفكري!!. هذه الحالات تحتاج من المؤتمر الوطني والحكومة إلى وقت لتحليل ماذا يريدون لأنهم حتى بيانهم الذي أخرجوه كان مضطرباً ويحمل عدة مغالطات ربما هي التي تهزمه وتعقّد مهمة تسويقه ومساره.. أما الآخر نصر الدين الهادي المهدي فلا يعرف عن السودان الكثير فقد ظل مقيماً بلندن منذ بداية التسعينيات «يمارس حياته» بحرية كاملة هناك، فهو لا يعرف عن معاناة الشعب السوداني فقد جيء به هكذا محنطاً ومسيراً كي يلعب هذا الدور الخائب، هذا الرجل ظهر في المعارضة لمشاركة نجل الإمام الصادق المهدي «عبد الرحمن» مستشاراً للرئيس، حاول نصر الدين عمل شوشرة ببيان من «لندن» وقد واجهه حزب الأمة بعنف وحدثت بعض المواقف المتشددة داخل حزب الأمة بشأنه ومواقفه من الحزب ومشاركته من عدمها، بعدها لم يظهر إلا هذه المرة التي أيضاً سارع حزب الأمة القومي إلى إصدار بيان وكذا الاتحادي «الأصل».. البيانان أكد خلالهما «الأمة» و«الاتحادي» تبرؤهما من توقيع نصر الدين الهادي والتوم هجو بالجبهة، لكن المؤسف أن موقف حزبي «الأمة» و«الاتحادي» كان خجولاً وفضيحة لأن المتوقع موقف واضح وبيِّن كفصل «نصر الدين الهادي» لمخالفته لوائح وقوانين الحزب ونظامه الأساسي الذي قال الحز إنه يرفض الحرب الحالية.. حزب الأمة القومي موقفه ضبابي حتى في مشاركة ابنه وفي بيانه الأخير الذي لم يقل فيه صراحة إنه ضد ما ذهب إليه نصر الدين ولكنه قال: «إن حزب الأمة يرفض الحروب الحالية ويعمل لإقناع كافة الأطراف المشتركة فيها بإبرام اتفاقية سلام تستجيب لمطالب دارفور وجنوب كردفان وجنوب النيل الأزرق المشروعة في إطار السودان الوطن الواحد» وزاد حزب الأمة بالقول: إن حزب الأمة يؤكد رفضه لأي أنشطة تتعارض مع هذه الأسس التي قررتها أجهزته الشرعية بالإجماع!. انتهى بيان حزب الأمة المخجل،. الجميع ينتظر من حزب الأمة موقفًا واضحًا وشفافًا بدلاً من هذه الدغمسة.. نستطيع أن نقول ذات التيار الأمريكي المتشدد ضد السودان هو من يمارس سياسة العصا والجزرة وهو الذي ورّط أمريكا في أفغانستان والعراق وهو اليوم من يضغط عبر مشروع القرار الأمريكي وتسخير محاولات مجموعة الجبهة الثورية للنفاذ عبرهم إلى تحقيق مصالحها والضغط على النظام في السودان وهي تدرك أن هؤلاء ليس لديهم لياقة سياسية للصمود وخوض الماراثون، كما أن أمريكا نفسها تدرك تماماً أن الخرطوم تمتلك القدرة على الصمود في وجه الضغوط وتمتلك وسائل السيطرة على القلق الذي تسببه مجموعة المعارضة المسلحة وهذا يعود لما أخذته الحكومة من طول نفس في التعامل مع مثل هذه الحالات رغم الاعتراف بدرجة تأثير هذا الهلع اقتصادياً وسياسياً. أمريكا تعلم أنها ستخسر كثيراً إذا حاولت أن تتمدد أكثر وتتبع أسلوبها في العراق لذا هي تعمل بسياسة تحقيق الهدف بأقل الخسائر فإذا وجدت ضالتها ومصالحها الاقتصادية بالتأكيد سوف تترك هؤلاء «اللصوص» في منتصف الطريق.. أمريكا ليست على استعداد لتكرار تجربتي أفغانستان والعراق اللتينِ نتيجتهما هروب «3500» جندي أمريكي من الخدمة ودخولهم كندا وطلبهم اللجوء هناك.. أضف لذلك أن العقل الاجتماعي في أمريكا بدأ يتغذى بوعي كبير وبصورة ايجابية بخلاف المتطرفين الذين درجوا على تعبئة وحشد المنظمات وتسويق القضايا لها بصورة عاطفية، أحسب أن الشعب الأمريكي بخلاف منظماته «المؤدلجة» قد أصبح يمد بصره بحذره نحو المستقبل!!.