٭ لا يكون الجدال في زيارة الرئيس البشير إلى جوبا حول ما يمكن أن تفعله الحركة الشعبية أو ما لا تستطيع أن تفعله لصالح المحكمة الجنائية، فيمكن أن تستفيد قوى أجنبية من وجود البشير في دولة ذات سيادة محتقَرة من قِبل بعض الدول الكبرى وتقوم بمحاولة اعتقاله دون أن تتحمّل حكومة الحركة الشعبية المسؤولية المباشرة، باعتبار أن سلفا كير نفسه رئيس دولة الجنوب يمكن أن يتعَّرض لما تعرض له من قبل رئيس بنما السابق نوريقا حيث اعتقلته القوات الأمريكية من عقر داره أو قصره الرئاسي. فدولة الجنوب مستضعَفة جداً بالاعتماد على المستشارين الأمريكيين والخبراء الصهاينة الذين أصبحوا فيها مثل «حرامي البيت»، ولص البيت بالطبع أخطر من لص الشارع. وإذا تعرّض أي رئيس دولة للاعتقال في دولة الجنوب حين يزورها، فإن حكومة جوبا كل ما تفعله هو إصدار بيان من وزارة الداخلية أو ا لخارجية تستنكر فيه «المساس بسيادة الدولة».. مع أن الدولة أصلاً بلا سيادة مع وجود العناصر الأجنبية هناك بصفة «سامية».. ومن يتربصون بالسيد رئيس الجمهورية لا يستطيعون التعرض له في دولة محترمة قوية أو معادية للخط الأمريكي الصهيوني، ودولة الجنوب ليست محترمة قوية وليست معادية للخط الأمريكي الصهيوني بل العكس فهي على أهبة الاستعداد في أي وقت لتقديم الخدمات الجليلة لبعض القوى الأجنبية أمريكا وإسرائيل ومقابل ذلك معروف بالطبع. ولا يهم دولة جنوب السودان إن كان هذا يأتي على حساب مصالح شعب الدولة، فلم تهم حكومة جوبا معظم قبائل الجنوب وهاهي تمارس ضد قبيلة اللاونوير سياسات عدوانية تنم عن أن المواطن الجنوبي ليس محور اهتمامها حتى ولو تحمست لاتفاق حريات أربع مع السودان، فهي كما يبدو لا تريد اتفاق هذه الحريات لمصلحة المواطن الجنوبي في السودان إذ انها لا تهتم به في دولتها كما هو واضح جداً، وإنما تريده لصالح جهات أخرى بدليل أنها بعد التوقيع المبدئي على هذا الاتفاق استمر العدوان على مناطق سودانية آخرها هجليج انطلاقًا من دولة جنوب السودان وكان نصف المقاتلين في الهجوم الأخير ينتمون إلى دولة جنوب السودان. إذن كل هذا يؤشر إلى تعذُّر توفير ضمانات لحماية الرئيس البشير من تعرض أي جهة له لصالح نشاط المحكمة الجنائية الدولية. لا يمكن أن تتخيل أن جماعة أوكامبو ومن ورائها القوى الصهيونية المرفوع عنها قلم المحكمة الجنائية يمكن أن تفوِّت فرصة استغلال هزالة دولة جنوب السودان واستثمار الكراهية التي تكنها لحكومة الخرطوم وكل القوى السياسية الشمالية.. لابد من أن نقرأ كل الاحتمالات في الخيال السياسي. فهل تملك هذه الحكومة الخيال السياسي؟! نعم يمكن أن تمثل حكومة جوبا دورًا غير المسؤول من أي مكروه يُلِمُّ بالرئيس البشير أثناء زيارته لجوبا لصالح المحكمة الجنائية التي يمر مدّعيها العام أوكامبو بحالة نفسية مزرية بعد الانهزام القانوني الذي تعرض له بسبب الحنكة القانونية التي قدمتها حكومة الخرطوم وجهات أخرى كرد على ظاهرة إصدار مذكرات الاعتقال من هذه المحكمة المَفْتَنَة. نعم تبقى هي «مَفْتَنَة» ولذلك يمكن أن تستفيد من زيارة البشير إلى دولة فاشلة مثل دولة جنوب السودان.. وما أدراك أن حكاية الحريات الأربع التي لا تتلاءم مع سياسة الحركة الشعبية تجاه السودان ليست إلا خدعة الغرض منها التخدير الدبلوماسي لحكومة الخرطوم حتى تقدم رئيسها في طبق من غفلة إلى أعدائه؟!. ثم إذا كانت حكومة السودان قد وقّعت بالأحرف الأولى كما تقول على اتفاق المودة والرحمة كما ينبغي وهو اتفاق الحريات الأربع من أجل مسايرة الظروف الدولية ومحاولة معالجة بعض الظروف الداخلية فهذا لا يعني أن تتعامل مع الحركة الشعبية بدون خيال سياسي.. بل حتى الوهم السياسي مطلوب مع جوبا.