إذا كان عشاء وفد حكومة الجنوب الزائر في الخرطوم مع بعض المسؤولين وبالدولة ومن ضمنهم وزير الدولة برئاسة الجمهورية إدريس محمد عبد القادر إذا كان هذا «العشاء» الدبلوماسي يعني للحكومة السودانية ويوحي إلى أنصار المؤ تمر الوطني والمتعاطفين معه أو مع رئيسه البشير من قوى الشعب العاملة والعاطلة عن العمل والداعية إلى الله بأنه يبقى ضماناً قوياً لحماية الرئيس من استهدافه من قبل المحكمة الجنائية الدولية فإن هذا المعنى وهذا الإيحاء يمكن أن يتشكل منه كميناً للرئيس البشير أثناء زيارته إلى جوبا دون أن تتحمل المسؤولية حكومة جوبا وإن كان رئيس الديوان الرئاسي هناك ووزير مجلس الوزراء السابق في الخرطوم لوكابيونق قد صرّح قائلاً: إن البشير يجب أن يتم اعتقاله بمجرد وصوله إلى مطار جوبا، وربما يكون بيونق مكلفاً من جهة ما بسد الطريق أمام أي خطوة لتحسين العلاقة بين الدولتين قبل إعلان تبعية «أبيي» إلى الجنوب وهي المنطقة الشمالية التي نزح إليها أجداده قبل مائتي عام هرباً من حروب قبلية في مناطق للدينكا والنوير متقاربة إلى بعضها. لكن قادة الحركة الشعبية الذين لا ينتمون إلى أبيي لم يتحمسوا لأمر هذه المنطقة المطموع فيها وتركوا أمرها كما يبدو للقنوات القانونية الدولية في سياستهم المعلنة طبعاً.. ويبقى تصريح بيونق حول اعتقال البشير في مطار جوبا فور وصوله من شأنه أن يضع المسؤولية على عاتق حكومة جوبا حين تستغل قوى أجنبية وجود البشير في دولة مشوّهة السيادة بالاستباحة الغربية والصهيونية لها لكن هل حاسب سلفا كير رئيس الديوان الرئاسي بيونق؟! المهم في الأمر هو أن «عشاء» وفد الجنوب مع المسؤولين بالدولة يذكرّنا إذا أخذنا في الاعتبار مسألة الثقة المفقودة.. يذكرنا بالعشاء الذي تناوله الكادر الشيوعي وقائد اللواء الأول مدرعات العقيد عبد المنعم حمد أحمد الهاموش يوم الثامن عشر من يوليو عام 1971م وللمصادفة كان يوم خميس مثل يوم عشاء وفد حكومة جوبا، وكان عشاء العقيد عبد المنعم مع من؟ كان مع مدير جهاز الأمن الرائد مأمون عوض أبوزيد عضو مجلس قيادة ثورة مايو في منزله وفي نهار اليوم التالي 19 يوليو 1971م كان الانقلاب الشيوعي على حكومة نميري التي عادت بعد ثلاثة أيام.. كان عشاء الرائد مأمون يتراءى بأنه أقوى ضمان على أن قائد لواء المدرعات مع حكومة نميري وليس مع مخطط يمكن أن ينفذه سكرتير الحزب الشيوعي عبد الخالق محجوب بواسطة العقيد عبد المنعم الهاموش وقائد الحرس الجمهوري المقدم عثمان حاج حسين أبوشيبة تحت إشراف الرائد هاشم العطا.. لقد أفسدت أجواء العشاء الودي الخيال الأمني عند الرائد مأمون وهو أصلاً رجل استخبارات.. لم يظن الرائد مأمون أن الشيوعية يمكن أن تهدم قيم السودانيين وكذلك نميري غير أن اللواء خالد حسن عباس كان يحذر ويحذر ولم يستبن رفقاءه النصح إلا نهار «19يوليو 1971م». الآن تنطلق التحذيرات للرئيس البشير من زيارة جوبا حتى لا ينخدع بحكاية الحريات الأربع وعشاء مأمون الآخر.. والحركة الشعبية ربما تفهم أن الثوار الجنوبيين قد يستفيدوا من هذه الحريات الأربع أكثر منها لأسباب واضحة وسنوضحها أكثر بإذن الله.. ولهذا ربما تفكر في الاستفادة منها في اتجاه ليس له علاقة بالمواطن الجنوبي الموجود في السودان.. هذا الاتجاه يكون هو وضع الحركة الشعبية ودورانها في فلك القوى الغربية الصهيونية وهذا مفهوم للحكومة السودانية لكنها تريد أن تمشي نحو أهدافها على أمشاطها وهي تعبر أرض الحريات الأربع الشائكة.. الحركة الشعبية لا تقود نظام حكم سوى يمكن أن يتورع من خداع غيره، وقد كانت تستدرج قادة الثوار بخداع المفاوضات ثم تعرضهم لخطتها الدموية وهذا معروف وقد حدث مع بعض قادة الثوار.. إذن ليحذر الرئيس البشير تماماً ما سيقع بعد «عشاء مأمون».