ويقول كبير المفاوضين من أولاد نيفاشا أمام البرلمان حتى بعد اعتداء الجيش الشعبي (لتحرير السودان) على هجليج قبل أن يصل باقان إلى منزله في جوبا في طريق عودته من الخرطوم التي استُقبل فيها استقبال الفاتحين.. يقول كبير المفاوضين إدريس عبد القادر: (سنقاتل بيد ونفاوض بالأخرى)!! في فقه جديد لم نعهده في تلك الأيام العطِرات.. أيام الشهداء علي عبد الفتاح ووداعة وعبد المنعم الطاهر الذين أغبطهم أن الله اتّخذهم شهداء قبل أن يشهدوا سيادة فقه الانبطاح والانكسار أمام الجيش الشعبي الذي ما كان يقوى على القتال في أحراش الجنوب فإذا به يقاتل اليوم في هجليج وبحيرة الأبيض في أرض الشمال ويستقبل قواده بالأحضان وبالغناء والرقص والضحكات الحانية. حتى أُقيم الحجة على ما أقول أُحيلُكم إلى معركة خاضتها قواتُنا المسلحة ومجاهدونا قبل أن تُبرم نيفاشا، فقد أراد قرنق أن يفاوض من مركز قوة فما كان منه إلا أن غدر بقواتنا المسلحة ودخل توريت مستغلاً حالة الاسترخاء التي نتجت عن مناخ التفاوض. حينها زأر الرئيس البشير ولم يقل ما قاله منبطحو الحريات الأربع: (سنقاتل بيد ونفاوض بالأخرى)، بل قال: (لا تفاوض قبل أن تُحرَّر توريت) وأوقف التفاوض إلى أن حُرِّرت توريت وهُزم جمع قرنق وولّى الدبر... ولكن ليت ما كان لم يكن فقد أحالت نيفاشا ذلك النصر المبين وتلك الفتوحات الربانية في ميادين القتال إلى هزيمة ساحقة ماحقة في مائدة التفاوض وإذا بالهاربين من توريت (حرباً) يدخلون الخرطوم والنيل الأزرق وجنوب كردفان (سلماً)!! بربكم أيهما أولى: أن نقف ذلك الموقف ونوقف التفاوض الآن والجيش الشعبي يحتل أجزاء من أرض الشمال أم قديماً حين كنا نقاتل في أرض الجنوب التي لم تعد وما كانت في يوم من الأيام موطناً حقيقياً لنا؟! وتصفنا صحافة الغفلة و(التعقل) بدعاة الحرب وبالمتطرفين وبالعنصريين وبمهدِّدي الأمن القومي.. تلك الصفة التي أطلقها علينا عادل الباز وتبعه فيها إدريس عبد القادر وهو يستقبل باقان بذلك العشاء الفاخر الذي أعقبه غزو هجليج الذي فقدنا فيه أرواحاً طاهرة.. باقان أصبح لا يهدد أمننا القومي بالرغم من أن قواته تحتل أرضنا أما نحن فقد أصبح باقان أقرب إلى أولاد نيفاشا منا!! يصفنا هؤلاء بتلك الصفات وكأنَّ جيشنا ومجاهدينا هم الذين يحتلون أراضي دولة الجنوب.. إنه الهوان الذي يأباه الله لعباده المؤمنين إذ ينهاهم: (فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ). ويكتب عثمان ميرغني مقالاً بعنوان: (صوت العقل) ينتقد فيه الحاج آدم نائب الرئيس حين أعلن بعد الاعتداء على هجليج (تعليق المفاوضات في كل مساراتها) ذلك الإعلان الذي ألغاه إدريس حين أعلن من داخل البرلمان: (سنقاتل بيد ونفاوض بالأخرى).. يكتب عثمان ميرغني معضِّداً صوت الانبطاح ويسمِّيه تعقُّلاً بل ويقول: إن المفاوضات تحمي ظهر الجيش من (الأجندة الأجنبية) و(تمنح السودان موقفاً أقوى أمام المجتمع الدولي)!! وكأنَّ المجتمع الدولي والأجندة الأجنبية توقفت في يوم من الأيام عن الكيد لنا وكأنَّ الأجندة الأجنبية والمجتمع الدولي الذي وعدنا بالمنِّ والسلوى إن نحن وقّعنا نيفاشا أنجز ما وعد ولم يُشعل دارفور قبل أن يجفَّ حبر نيفاشا وكأنَّ المجتمع الدولي ساندنا ونحن نقدِّم التنازلات تلو التنازلات ولم يزد من العقوبات المفروضة علينا ولم يساند الحركة الشعبية ودولتها المعتدية في كل محفل وكل مكان بالسلاح والمال والقرار. لا نريد يا هؤلاء (العقلاء) أكثر من أن نحرِّر أرضَنا من دُويلة ناشئة.. لا نريد اعتداء عليها لكننا نرفض الدنيَّة في ديننا وأرضنا وشعبنا. لقد بُحَّ صوتُنا ونحن نتحدَّث بالوثائق عن إستراتيجية الحركة الشعبية وعن مشروع السودان الجديد لتحرير أرضنا منها، وهل سُمِّيت الحركة باسم (تحرير السودان) إلا اتّساقاً مع ذلك المشروع الذي كان معلوماً للحكومة وللمؤتمر الوطني قبل بدء مفاوضات نيفاشا؟ إن قول باقان عن (الخطة ب) التي يسعون إلى إنفاذها لإقامة المشروع بعد الانفصال معلوم ومنشور على رؤوس الأشهاد، لكن إدريس وسيد الخطيب وغيرهما يرفضان أن يصدِّقا باقان ويُصِرّان على أن الرجل لطيف وظريف وصادق ولا يريد إلا الخير لبلادنا وشعبنا بل ربما كانا يفسران حديثه عن الرقيق وعن العبودية وعن وسخ الخرطوم تفسيراً باطنياً باعتباره من أولياء الله الصالحين!! حتى النور أحمد النور سار في ركاب (العقلاء) الظرفاء وطفق يُطلق علينا الصفات أما بنو علمان والشيوعيون من أمثال المكاشفي فهؤلاء معلوم توجههم المساند على الدوام للحركة الشعبية حتى تريحهم من الشريعة.. أليس هذا المكاشفي من المتيمين بمحمود محمد طه وبرسالته الثانية التي (أُوحي إليه) أنها نصّبته رسولاً بعد محمد صلى الله عليه وسلم؟!