لنبدأ بإعادة نشر الفظائع التي ارتكبتها في ولاية جنوب كردفان قوات حكومة جوبا بالتعاون مع حركات التمرد السودانية بحسب شهادات بعض أبناء النوبة المتضررين من هذه الفظائع الرهيبة.. وهذه الفظائع هي إحراق المساجد وتمزيق المصاحف والتبرُّز داخل المساجد وتدمير المدارس وإحراق المنازل والإبادة الجماعية والقتل والسحل وذبح الأمين العام لمستشفى تلودي الشهيد عثمان رحمة وزملاءه الذين ذبحوا من الوريد إلى الوريد عقاباً لهم على إسعاف الجرحى الذين سقطوا في الأحداث الأخيرة هناك.. وقال أبناء النوبة الذين قدموا هذه المعلومات إنهم يملكون الوثائق التي تثبت وتكشف هوية المتورطين. وليت الحكومة السودانية ممثلة بوفد التفاوض في أديس أبابا حملت هذه الوثائق لتعرضها على رئيس فريق الوساطة ثامبو امبيكي، ليفهم أن حكومة جوبا وحركات دارفور المتمردة بما فيها حركة خليل ينفذون حملة ذات أجندة مزدوجة ضد الدولة السودانية، أجندة بعضها عنصري والآخر ديني.. ومع ذلك تقول الحكومة السودانية إن خيارها هو الحوار لمعالجة كافة القضايا محل الخلاف مع دولة جنوب السودان.. لكن الخلاف في ماذا؟.. هل في أمور أهم من المساجد والمصاحف والمدارس والأمن الشخصي للمدنيين من أطباء يسعفون الجرحى وأطفال ونساء وشيوخ ونزحوا الآن بأعداد كبيرة من تلودي إلى كلوقي والليري؟! وإذا كان لا بد من الحوار والتفاوض، فلا بد أيضاً من أن تعرض الحكومة السودانية مثل هذه الفضائع آنفة الذكر لفريق الوساطة، حتى تفهم أن تهديدات باقان بالانسحاب من المحادثات ينبغي أن تصدر من الحكومة السودانية وليس حكومة جوبا التي تريد صرف الأنظار من فظائع قواتها في تلودي ومناطق مثل دوال ومفلوع إلى اتهامها للحكومة السودانية بأنها تقصف مناطق في دولة الجنوب.. العجيب أن الحكومة السودانية رضيت بالهم ولم يرض بها الهم.. رضيت بأن تحاور باقان الذي يبارك حرق المساجد والتبرز فيها وباقان يهدد بالانسحاب من المفاوضات.. لكن المطلوب من حكومة باقان أن تنسحب أولاً من الأراضي السودانية وتنسحب الفرقتين التاسعة والعاشرة التابعة لها من ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق ثم بعد ذلك لتنسحب غير مأسوف عليها من مفاوضات أديس أبابا.. الحكومة السودانية لا نفرض عليها رأينا ولكنها إذا رأت أن استمرار الحوار مع عصابة حكومة جوبا سيأتي ثماره لصالح السودان.. وهذا خيال.. فإن الأولى التركيز على الجانب الميداني حتى لا يتعرض المواطنون لقصف دبابات الحركة الشعبية التي شاهدنا بعض الأمريكان الموظفين في مشروع التآمر يعتلونها ويقبعون عليها ويرسمون على أفواهم ابتسامات الخداع لقوات الجيش الشعبي والمتمردين.. ومثل هؤلاء الخواجات سيخططون غداً لفتنة وحروب بين الجيش الشعبي ومتمردي دارفور.. باقان أموم بدلاً من أن يستفيد من مرونة حكومة الخرطوم المدهشة وهي تحاوره بعد فظائع قوات حكومته التي ذكرناها إلا أنه راح يتحدث عن انسحاب من المحادثات.. هل يا ترى شعر باقان بأن حكومة الخرطوم تتنفس باستمرار المحادثات معه حتى ولو كان حصادها هو قبض الريح والجري وراء السراب ولذلك أراد أن يوقف عنها التنفس؟! كان الظن أن تهدد حكومة الخرطوم بالانسحاب لكن باقان استبقها دون جدارة لنيل شرف التهديد بالانسحاب.. من تراه أولى أن يهدد بالانسحاب باقان أم إدريس رضي الله عنه؟! إن إدريس محمد عبد القادر رئيس وفد التفاوض الحكومي قال ندافع بيد ونفاوض بيد.. والتفسير السياسي لهذا التصريح هو أنهم لن يتخلوا عن الدفاع ولن ينتهجوا مع دول الجوار نهجاً يصب لصالح أعداء الحكومة محلياً وإقليمياً ودولياً.. وباقان أموم يكون مدركاً للتفكير السياسي للحكومة السودانية ولذلك يريد أن يعزف على الوتر الدبلوماسي ويهدد بالانسحاب لقطع شعرة معاوية بين الدولتين.. أما موضوع الحريات الأربع أظن أن حكومة جوبا أدركت مؤخراًَ أنها ذات نفع للسودان وفي نفس الوقت تبقى ذات نفع للثوار الجنوبيين وإذا كانت حكومة السودان قد ساعدت ثوار ليبيا مع غياب حريات أربع، فإن وسواس حكومة جوبا سيتساءل كيف سيكون دعم السودان للثوار الجنوبيين في ظل الحريات الأربع ليست الحركة في حاجة إليها مثل شعب الجنوب؟! لذلك كان العدوان بعد الاتفاق.