ما يدور في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا من تفاوض بين وفدي السودان ودولة جنوب السودان، لا يبعث أملاً على الإطلاق لتجاوز حالة الحرب والاقتتال على الأرض بين البلدين، والسبب في ذلك أنه لا توجد حتى الآن مقترحات عملية ولا تصوُّر واضح لاتفاق يؤدي لوقف إطلاق النار، حيث تظل حكومة جنوب السودان تنكر علاقتها بما يحدث وتدعي أن القوات المسلحة السودانية هي التي تهاجمها وتقصف مواقع داخل الجنوب، كما قال وزير الإعلام الجنوبي أمس في تصريحات له في نيروبي.. ولا تريد حكومة دولة الجنوب الاعتراف الكامل بانطلاق هذه الحرب من أراضيها وأنها هي التي تدعم ما يسمى بالجبهة الثورية التي تضم فلول الجيش الشعبي في جنوب كردفان والنيل الأزرق:الفرقة التاسعة والعاشرة والرابعة، وحركات دارفور المتمردة، وكل تناقضات تصريحات دولة جنوب السودان لا تحتاج لشاهد إثبات، فرئيس الدولة «سلفا كير» نفسه أعلن عن تورُّط بلاده في هذه الحرب وبتدخل مباشر من جيشه في اجتماعات المجلس الثوري للحركة الشعبية، وتملأ بيانات الجبهة الثورية الآفاق عن هجومها على هجليج وتلودي، وكل هذه أدلة دامغة لا ينفع معها التعلُّق بحبال الإنكار الواهية. وفي هذا الصدد فقد أعلن المدير العام لجهاز الأمن في مؤتمر صحفي له الأسبوع الماضي عقب الهجوم على نقطتي الكهرباء والشهيد على الحدود مع دولة الجنوب في منطقة هجليج عن وجود أدلة ووثائق وأسرى من جيش دولة جنوب السودان بعد المعارك الطاحنة التي دارت واندحرت فيها قوات العدو إلى داخل دولة الجنوب فارة من أتون القتال.. فلماذا لا يعلن على الملأ ويقدم للوسطاء كل ما لدى الحكومة من معلومات وصور ووثائق واعترافات اعتداءات دولة الجنوب.. بدلاً من ترك قياداتها تتهارج في وسائل الإعلام نافية ومتهمة؟؟ والأعجب أن كل ما تمخضت عنه مفاوضات الآلية السياسية الأمنية المشتركة هو اتفاق شفاهي كما وصفه الناطق الرسمي باسم الخارجية بوقف التصعيد العسكري والسياسي والإعلامي، وتبادل الطرفان المقترحات المكتوبة وتولت الوساطة التي يقودها الرئيس الجنوب إفريقي ثامبو أمبيكي صياغة مسودة وثيقة تحدد ما يتم الاتفاق عليه. لكن ثمة خدعة أخرى، هي ما جاء في بيان البيت الأبيض عن حديث هاتفي للرئيس الأمريكي بارك أوباما مع سلفا كير حث فيه جيش جنوب السودان على ضبط النفس بعد المعارك الأخيرة على الحدود وفي جنوب كردفان وأن لا يشارك الجيش الشعبي حسب مهاتفة أوباما لسلفا كير أو يدعم أي قتال على طول الحدود خاصة في جنوب كردفان.. كما طلب منه التحرك في اتجاه الاتفاق على إنتاج النفط واللقاء مع الرئيس البشير وإيجاد حلول سلمية مع السودان. الخديعة أن حديث أوباما عن ضبط النفس فيه إشارة إلى أن الجيش الشعبي التابع لدولة الجنوب في موقف دفاع وليس هجوم، فالذي يطالب بضبط النفس في العادة هو المعتدى عليه وليس المتعدي وصاحب ردة الفعل وليس الفاعل. ولا يوجد في حديث أبوباما ما يؤكد أن الولاياتالمتحدة حريصة على إحلال السلام بين البلدين، بقدر ما هي تشجِّع دولة الجنوب في الجنوح نحو التشدد في حال شعورها أنها في موقف أفضل، وترسل رسالة من هذا النوع في حال إخفاق جيش الجنوب وعملائه من تحقيق أي هدف على الأرض أو الحصول على نصر ولو ضئيل. حكومتنا هنا وهي تواجه تعنُّت ولؤم وفد دولة الجنوب في العاصمة الإثيوبية، عليها التعامل بحزم وحسم مع قضايا الملف الأمني ونكران دولة الجنوب احتضانها لقوات الحركات الدارفورية والجيش الشعبي في جنوب كردفان والنيل الأزرق... وتورُّط جيش دولة الجنوب في المعارك التي وقعت في هجليج وجنوب كردفان.