كما توقعنا عاد بخفي حنين، السيد وزير الدفاع الفريق أول مهندس عبد الرحيم محمد حسين من العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، بعد أيام من انطلاق جولة تفاوض في إطار اللجنة السياسية الأمنية المشتركة، ولم يتحقق شيء، ووصلت الأمور فيما يبدو لطريق مسدود بين البلدين على أمل أن تتواصل يوم السبت المقبل لإبرام ما يمكن إبرامه من اتفاق حفظ ماء الوجه بالنسبة للوفدين والوساطة الإفريقية. وتصريحات السيد وزير الدفاع عقب عودته التي ربما للتشاور والعودة لا تشير إلى أي تقدُّم في هذه الاجتماعات العبثية، كما لا يوجد أي التزام من وفد دولة جنوب السودان بفك ارتباطها بقوات الجبهة الثورية وطردها من أراضيها وببقايا الجيش الشعبي في جنوب كردفان والنيل الأزرق في ما يعرف بالفرقة التاسعة والعاشرة من جيش دولة الجنوب .! بالفعل كنّا نتوقع أن لا يحدث أي اختراق في هذه الجولة، التي تجري في أجواء وظروف ما كان ينبغي أن يذهب هذا الوفد إلى أديس أبابا وجنودنا يقاتلون ويخوضون أشرس المعارك وأشرفها في تلودي الباسلة وهجليج الأبيّة والعصية على كل اعتداء... وكان ينبغي أن لا تنخرط الحكومة في هذا التفاوض أبداً والبلاد في حالة حرب مع دولة الجنوب، إلا إذا كانت هذه الجولة لترتيبات وقف إطلاق النار لا غير. ومنذ أول من أمس لم يحدث شيء سوى استفزازات باقان أموم للوفد الحكومي عندما قلل من شأن الوفد في البداية قبل وصول وزير الدفاع، ثم السخرية من وجود وزير الدفاع وكبار ضباط الجيش معهم في أديس واستخدام وجودهم حجة بأن دولة الجنوب لم تشن أي هجوم على السودان ولو كان ذلك صحيحاً لماذا أتى وزير الدفاع ورئيس هيئة أركان الجيش وكبار الضباط للتفاوض في أديس أبابا؟ هذه الاستفزازات وحدها كانت كافية لعودة الوفد قبل بدء التفاوض، لكن حكومتنا متسامحة لدرجة كبيرة لا يصدقها عقل، وتتعامل مع الأمور بطيبة قلب وحسن نوايا ترقى لمستوى السذاجة في تقدير التعامل مع حكومة دولة الجنوب والحركة الشعبية التي تحكم هناك .!! ورفضت حكومة الجنوب الالتزام بأي نقاط جوهرية أثارها الوفد السوداني في مسألة إيواء الحركات المسلحة المتمردة وقوات الجبهة الثورية التي صنعتها جوبا نفسها، وامتنعت من التوقيع كتابة بشأن هذه الشروط والنقاط المطلوبة من الخرطوم، وقفزت لنقطة لا تعنيها عندما اشترطت على الخرطوم ضرورة حل مشكلاتها مع الحركة الشعبية قطاع الشمال بالاتفاق السياسي مع هذا الفصيل الشمالي وهو جزء أصيل من الحركة الشعبية لا انفصام لعراه معها. وتصرُّ حكومة دولة الجنوب، على اللعب بالذقون، وإهدار الوقت في ما لا طائل تحته، وتتجاوز المحاور الجوهرية والمركزية في الخلاف وتتمسك بقضايا لا يحق لها فرض شروط فيها، فالحوار والاتفاق مع عبد العزيز الحلو والجبهة الثورية وغيرها، شأن يتعلق بحكومة السودان وليس صك غفران تمنحه حكومة الجنوب للسودان مقابل الاتفاق من أجل حل القضايا العالقة والمختلف عليها. الموقف الصحيح دائماً هو عدم مواصلة هذه المفاوضات التي بانت أهدافها وأصبحت بلا مبرر طالما أن هناك توجهاً من حكومة دولة الجنوب وإصراراً على تعويق أي جهود لحل الخلافات حلاً نهائياً تنتهي به القضايا الخلافية وتضع الحرب أوزارها... فعلى وفدنا الحكومي العودة للخرطوم بكامل عضويته، وإغلاق ملف التفاوض، إلى حين حسم المعارك العسكرية التي تدور، وتكريس كل الجهود الوطنية لمساندة القوات المسلحة والقوات النظامية الأخرى في تطهير الأرض من دنس العملاء والأعداء، فالمعركة على الأرض أولى من حوار الطرشان في أديس أبابا.