من الرجال من رحل من هذه الدنيا الزائلة الفانية.. وكان راحلاً ولكنه مقيم بين الناس بمكرماته ومواقفه ذلك هو فقيد القبيلة والعشيرة، فقيد الجباراب الدامر والحصاية والموسياب ونهر عطبرة وقرى الضفة الغربية وشرق النيل.. هو الراحل المقيم محمد قرشي سليمان الملقّب بالمقلي وأخوه المرحوم صلاح قرشي وافتقدت الجباراب فارساً من فرسانها وحامي أرضها وعرضها.. ذلك هو الشاب العملاق المقلي الذي ذهب جراء حادث مؤلم وأخوه صلاح اغتالتهما يد المنون دونما جريمة ارتكباها وإنما جاءا حجّازين وماتا بإذن الله تعالى شهيدين يحكيان ظلم الإنسان لأخيه الإنسان.. وجاءت قرى نهر النيل وقرى نهر عطبرة والجباراب يذرفون الدموع ويبكون قائلين: هلاّ هلاّ يا المقلي وهلاّ هلاّ يا صلاح.. وظلوا يرددون«خربانة وزايلة الدنيا زايلة بي عوض كريمها» كما يقول الشكرية حينما رحل ناظر القبيلة عوض الكريم بك أبو سن قائلين «زايلة بي عوض كريمها» ونحن هنا في ديار الجعليين نقول «زايلة بي مقليها».. ومقليها هو الشهيد المقلي وهو صاحب مكرمات ومواقف خالدة.. والذي يؤسف له إن المقلي جاء لهذه المعركة لا يحمل سيفاً ولا عكازاً ولا سكيناً بغرض المعركة ولكنه جاء حجّازاً هذا على لسان الحاضرين وعلى لسان شقيقه الأكبر صديق سليمان قرشي ولكنهم غدروه.. ولكنه رحل شهيداً وهو يردد الشهادة قائلاً: «أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله».. هكذا اهتزت قرية الجباراب حزناً ولبست السواد ولكن أهلها وفي مقدمتهم شقيقه الأكبر صديق ظل يردد: «إنا للّه وإنا إليه راجعون» في ثبات وصبر.. وجاءت الوفود والقبائل ووفد قبائل الغبش والشيخ محمد التيجاني وهم أهل القرآن على مدى الزمان وفد خلاوى كدباس وود الفكي علي وجاء وفد الكتيّاب أهل القرآن ومعهم أهل العقيدة والحرة يقودهم شيوخ القرآن وأئمة المساجد، وجاء وفد الصوفي البشير من القضارف وهم أبناء عمومة العمدة العبيد ود بخيت سيد الاسم والذين قالت مناحته عائشة بت خير قديماً: «ود بخيت يا سيد اللِّسم.. ود بخيت مفقود في القسم». وهنا في الجباراب تبكي الباكيات المقلي وصلاح ويندبن قائلات: المقلي المفقود في البلد ولكن مع ذلك يرددن «إنا لله وإنا إليه راجعون» وهن من الصابرات المحتسبات رغم الفقد الكبير ولكن العزاء أنهما ماتا شهيدين. ووقف أبناء الجباراب هاشم الخير وآل الفكي مصطفى شيخ الحيران والأستاذ ابن الشيخ بشير ومجذوب ووقف حسن حمزة وابنه يوسف والشيخ فضل زعيم الفضيلاب وفي المقدمة العمدة العبيد ود بخيت وسليمان رحمة الله قرشي وصديق شقيق الشهيدين وأبناؤهما وإخوانهما القادمين من السعودية وقفوا صفاً في ثبات وبايمان بقضاء الله وقدره يستقبلون الوفود القادمة من كل أنحاء السودان، المدن والقرى، واستمرت وفود العزاء لأيام طويلة في سرادق العزاء المنصوبة وظل أغلب الناس يتحدثون عن الفقيد المقلي ومواقفه.. وقال الابن الطاهر عباس رحمة إن المرحوم المقلي أرسل لنا مايكرفون للجامع ونحن لم نطلبه منه وما يزال المايكرفون يصدح بقول لا إله إلا الله وبالصلاة خير من النوم في السحر وفي كل الأوقات سيكون ذلك في ميزان حسناته عليه الرحمة.. وهناك موقف ذكره الناس.. وهو أنه كلما يعلن عن زواج أي شاب من الجباراب كان المقلي من السعودية يرسل شنطة فاخرة وآخر العرسان كان عباس رحمة.. وله مواقف خالدة ومكرمات وكل الذي يأتي للفراش يزرف الدموع حزناً قائلاً: إن المقلي صديقه العزيز وكان المقلي صديق جميع الناس وكان محباً لأهله وغيرهم ذا معشر طيب ولذلك أكرمه الله بالشهادة وكما ذكرت فإنه جاء لهذه المعركة حجّازاً رحمه الله وأخاه صلاح وخالص عزائي وتقديري للابن صديق الأخ الأكبر للجميع والذي لا شك فإنه سوف يسجل موقفاً للتاريخ في هذا الحدث الكبير والعزاء لأهلنا بالجباراب ونهر عطبرة والجميع والرحمة والمغفرة للشهيدين إنه سميع مجيب.