علي الرغم من أن القضايا العالقة بين دولتي السودان وجنوب السودان مثل النفط والحدود ومياه النيل تتسم بالأهمية القصوى إلا أن الملف الأمني يعتبر أكثرها أهمية ويأخذ منحى شائكًا ومعقدًا إلى الحد الذي أفشل معه المفاوضات الأخيرة «1 4 مارس»، والتي جاءت عقب التوقيع بالأحرف على الاتفاق الإطاري في منتصف الشهر الماضي، وتعود أسباب الإخفاق الأساسية في توقيع اتفاق لوقف العدائيات بين البلدين إلى تحفظ السودان على نقطتين في مسودة الاتفاق الذي صاغته الوساطة الإفريقية تتعلقان بالدعوة للحوار السياسي بولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق ومفاوضة الحركات المناوئة للدولتين وذلك لعدم استجابة جوبا لمطالب الخرطوم القاضية بإقرار الأولى باستضافاتها لتحالف الجبهة الثورية فضلاً عن فك الارتباط عمليًا بين الأخيرة والجيش الشعبي لدولة الجنوب باعتبار أن الفرقتين التاسعة والعاشرة اللتين تقاتلان داخل السودان تتبعان للجيش الشعبي وفقًا لتصريحات القيادي بالحركة دانيال كودي، ومن الملاحظات التي أضافها وزير الدفاع عبد الرحيم محمد حسين على ورقة الوساطة عدم تحديد الحدود بصورة واضحة وفق حدود 1956 كما أن إنكار وفد الجنوب للعمل المضاد الذي ينطلق من أراضيه نحو السودان يشير إلى أن موقف جوبا يجافي الصدق والوضوح. المتابع لمفاوضات أديس يجدها لا تقل صعوبة عن مفاوضات نيفاشا فبالرغم من تواضع الطرفين على اتفاق لوقف العدائيات في فبراير الماضي وتاليًا الإطاري الذي علي إثره كانت زيارة وفد من الجنوب برئاسة باقان أموم لتقديم الدعوة للرئيس البشير لزيارة جوبا إلا أن تلك الخطوات لم تكبح جماح الحرب فقبل أن يصل وفد الجنوب كان الهجوم الذي انطلق من الجنوب على مدينة هجليج النفطية وقبل أن يستوي الوفد آئبًا إلى جوبا كان الهجوم الثاني على هجليج والذي جاء بإعلان إعلامي جهير لسلفا في اجتماعه بمجلس تحرير حزبه محدثًا عن استعادتهم لهجليج التي قال بتبعيتها لدولته بالرغم من أن الأخيرة تابعة للسودان بنص حكم محكمة لاهاي الدولية مما يعيد ذكرى نيفاشا التي كان يشكو فيها مفاوضو الحكم من هواية الحركة الشعبية في التراجع للوراء وفتح القضايا مرة أخرى عقب أي اتفاق للطرفين بشأنها، ولم يقف الأمر عند هجليج إنما اشتد هجوم التحالف الثوري على مدينة تلودي بقصد السيطرة عليها ليعلن عبد العزيز الحلو حكومته منها وفقًا لمصادر الصحيفة.. هذه الأحداث المتسارعة عمدت لوأد اتفاق فبراير وتأجيل زيارة البشير لجوبا والعودة للتفاوض على وقف العدائيات مجددًا ولكن دون أي تقدم يُذكر.. صحف حملت تداعيات قرار عودة وفد السودان وفي تعليقه نفى الأمين السياسي للوطني حسبو عبد الرحمن صفة الانسحاب وقال إن العودة تهدف لاستشارة الأجهزة المعنية وشدد على رفض الحكومة القاطع لإجراء أي حوار مع الحلو وعقار ما لم يتحررا من ارتباطهما بدولة الجنوب. في ظل هذه الأجواء يرى الخبير الأمني حسن بيومي أن على الدولتين التريث بعض الوقت قبل الشروع في بدء المفاوضات فالثورات الراهنة لا تفسح المجال لأي تقدم في المفاوضات وفي حديثه ل«الإنتباهة» نعى بيومي الوساطة الإفريقية وقال إنها لا تخلو من الأجندة الشخصية والغربية «الولاياتالمتحدة» فضلاً عن أن المفاوضات عبرها لم تحقق أي تقدم ملموس بل هي في حالة تراجع وتقهقر وتعجب من تمسك الحكومة بالقيادات المفاوضة وطالب بتغييرها واقترح تسمية الوزير المايوي ومفاوض السودان مع منظمة التجارة العالمية بدر الدين سليمان رئيسًا لوفد التفاوض واستنكر صمت رئيس الآلية الوسيطة ثامبو أمبيكي بإزاء اعتداءات الجنوب الأخيرة على البلاد وعزا مهاتفة الرئيس الأمريكي لسلفا وحثه على وقف دعم قطاع الشمال بأنه جاء بإيعاز من أمبيكي الذي يخشى من فقده لموقعه إذا خاطب الجنوب صراحة في هذا الشأن، ودعا بيومي الدولتين للاحتكام إلى آلية وطنية من الجانبين قوامها قيادات جنوبية مقربة من السودان وأخرى مماثلة من السودان مقربة لدولة الجنوب فعلاوة على إسهامها في تحقيق الوفاق بين الطرفين فهي تخفف من وطأة الإنفاق على المفاوضات الآنية. على كلٍّ يبقى أن التفاوض للخروج من أتون الحرب حل لا بد منه ولكن يظل الإشكال في الاتفاق على خارطة التفاوض نفسها، ولعل هذا هو السبب في عودة طاقم الحكومة بأسره.