أنعش مفاوضو دولتي السودان باديس ابابا اول من امس، الآمال بوضع حد للعلاقات المتوترة التي تخيم على الاجواء السياسية بين البلدين الجارين. وبدا ان جهود رئيس اللجنة الافريقية رفيعة المستوى، للوساطة بين البلدين، ثامبو امبيكي، كللت بالنجاح حينما استطاع اقناع الطرفين بضرورة العودة الى التفاوض ومن بعد حملهم بمساعدة المبعوث الامريكي برينستون ليمان على التوقيع وان بالاحرف الاولى على مسودات اتفاقيات ربما تفتح الطريق لطي الملفات العالقة بين البلدين. وكانت اصوات قد تعالت مشككة في جدوى التفاوض بين البلدين في ظل نذر الحرب التي كانت ماثلة، ومطالبة في الوقت نفسه بتغيير الرؤية القديمة للتفاوض وذهبت الى ابعد من ذلك مطالبة بإنهاء دور ثامبو امبيكي، وقدمت عددا من الرؤى الجديدة من بينها الانخراط في مفاوضات مباشرة بين الطرفين، وهو الامر الذي اتفق عليه المفاوضون اول من امس باديس، بخصوص النفط في وقت لاحق وفق منهج جديد وتفاهم مشترك. قضية المواطنة والجنسية تعتبر من القضايا الشائكة، بعد ان اعلنت الخرطوم في وقت سابق انه بعد الثامن من ابريل ستتم معاملة الجنوبيين بالشمال كأجانب وعليهم توفيق اوضاعهم القانونية، ما قابلته الحكومة الجنوبية بعدم استكمال اوراق ومستندات مواطنيها بالشمال. غير انه في الاتفاق المبدئي الذي تم باديس تم تضمين الحريات الاربع والمعاملة بالمثل في كلا الدولتين. وقال الوفد المفاوض في بيان اصدره امس، عقب احاطة الرئيس عمر البشير ببنود الاتفاق، انه توصل الطرفان إلى الاتفاق على ضرورة تغيير طريقة التفاوض من منطلق حرص كل دولة على حيوية الدولة الأخرى من حيث الاستقرار الاقتصادي والسياسي و الاجتماعي. ومن أجل خلق مناخ مناسب للمفاوضات وتم الاتفاق على وقف التصعيد الإعلامي بين البلدين. ولابداء مزيد من الحرص على نجاح ما اتفق عليه اعلنت الوساطة عن قمة رئاسية تلتئم بجوبا، حيث من المرتقب وصول الرئيس السوداني الى جوبا خلال الاسابيع المقبلة - حسب وزيرة الدولة بالاعلام - سناء حمد، على ان يتم التحضير الفوري للقمة المرتقبة، بينما لم يتوقع كثيرون ان يتحدث احد عن زيارة مرتقبة لاحد الرئيسين لبلد الاخر، غير ان هذا ما تم التأكيد عليه في الاتفاق الموسوم بالاحرف الاولى باديس اول من امس. ويُعتقد ان ضغوطا اميركية مورست على الطرفين لحثتهما على المضي قدما ل(حلحلة) كافة القضايا العالقة، وربط ذلك بحوافز تقدم لكل طرف على حدة، بينما يعتقد اخرون ان الوساطة الافريقية برئاسة ثامبو امبيكي، قد قدمت مقترحات عملية تصب في نزع فتيل الازمة وبخاصة ان مئات الالاف من ابناء الجنوب موجودون بالشمال، وعليهم بعد الثامن من ابريل القادم توفيق اوضاعهم او سيعاملون كأجانب، في الوقت نفسه فصل الملفات والتعامل مع كل ملف على حدة خاصة ان هنالك ملفات غاية في التعقيد كملفي ابيي والنفط. يقول مدير مركز السودان للدراسات والبحوث، علي عيسى، ان الاتفاق الاطاري الذي تم توقيعه اول من امس، بين دولتي السودان، يعد الكاسب الاكبر فيه دولة جنوب السودان، إذ ان القضايا المثارة فيه مثل الجنسية والمواطنة تصب في مصلحة دولة الجنوب، وان الاتفاق اصلا تحدث عن تعزيز روح الشراكة التي يجب ان تسود، وان السودان سيكسب ثقة اقليمية وخارجية، ويعكس رغبة جادة للوصول الى تفاهامات جادة مع دولة الجنوب. غير انه يقول في حديثه ل(الصحافة) أمس، ان نجاح او فشل الاتفاق يتوقف على ما يحدث في ملف النفط، وما لم يتم التوصل لاتفاق حوله، فإن الاتفاقية ستسقط كما يقول. ويضيف عيسى انه في الفترة الحالية، الى ما قبل التئام قمة جوبا بين البشير وسلفا كير، حيث من المرتقب ان يتم التوقيع فيها على الاتفاق الاطاري، وفي تلك الاثناء الوصول الى تفاهمات في قضية النفط تضمن ضمن الاتفاق، لان السودان يهمه بالدرجة الاولى النفط للاوضاع الاقتصادية المعلومة على ما يقول عيسى. ويعزو مدير مركز السودان للدراسات والبحوث، فشل الجولتين السابقتين من التفاوض، الى ما سماها الضغوط الخارجية التي تعرضت لها جوبا لإطالة أمد التفاوض حتى يتم اختراق السودان عسكريا او اقتصاديا، غير انه يقول ان بالسودان ارادة داخلية، وفي الوقت نفسه ان المبعوث الاميركي للسودان، السفير برينستون ليمان، مارس ضغوطاً على الجانبين وبخاصة الجنوبيين الذين كانوا يتحدثون عن 7 نقاط مختلف حولها، بينما يقول السودان انها 4، وهذا ما تم تضمينه في الاتفاق الاطاري. الخبير الاستراتيجي والمحلل السياسي، الدكتور الحاج حمد محمد خير، يرى أن حصاد جولة التفاوض الاخيرة هو تغيير الية التفاوض والاتفاق على المفاوضات بأسلوب مختلف. ويقول ل(الصحافة) امس، ان ما يمكن ان يحسب انجازاً هو انقاذ العملية التفاوضية بعد ان فشلت الجولتان السابقتان، وان الاهم هو استمرار التفاوض، ويضيف المحلل السياسي، ان الادارة الاميركية كسبت مهادنة. يشار الى ان جولة سابقة من المفاوضات عقدت الشهر الماضي قد توصلت لاتفاق وقف عدائيات، ولم يتعد الاتفاق منذ توقيعه اكثر من اسبوعين حتى اصبحت الاجواء اقرب للحرب منها للسلم، وبعدها تعثرت جولة مفاوضات بين الجانبين، وعاد الوفدان المفاوضان، كل الى بلده يحمل الاخر فشل المفاوضات.