سخِر البعض من المبررات التي ساقها وزير الصناعة المهندس عبد الوهاب عثمان حول أسباب تأجيل دخول مشروع شركة سكر النيل الأبيض إلى دائرة الإنتاج والذي كان مقررًا له يوم الخميس الماضي على يد السيد رئيس الجمهورية وبتشريف ضيوف البلاد من المشاركين في فعاليات الاجتماع السنوي لمجلس محافظي مجموعة البنك الإسلامي للتنمية «جدة»... إذ سخروا تحديداً من مبرر ذي صلة بأمريكا، وفي ظنهم أن شماعة أمريكا لم تعد تحتمل أكثر من ذلك، بل كذبوا هذه الفرضية واستبعدوها تماماً، لكن تظل الحقيقة أن للإدارة الأمريكية يدًا في عرقلة افتتاح المشروع، حيث رفضت الشركة الأمريكية والتي آلت إليها ملكية الشركة الهندية تسليم إدارة المشروع «الشفرة»، وكانت الشركة الهندية قد باعت لإدارة مشروع سكر النيل الأبيض «الطواحين والجربوكسات» دون أن تقوم بتسليم برنامج التشغيل ووحدة المعالجة المركزية لإدارة المشروع... وبما أن الشركة الأمريكية من الشركات المقاطعة، وإذا وضعنا في الاعتبار أهمية مشروع سكر النيل الأبيض الزراعي والصناعي والذي يهدف لتنمية وتطوير مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية على الضفة الشرقية للنيل الأبيض، وذلك بتوفير «450» ألف طن من السكر الأبيض، و«40» طنًا من المحاصيل النقدية مثل «زهرة عباد الشمس، الذرة الشامية الرفيعة» هذا بالإضافة لإنتاج حوالى «60» مليون لتر من الإيثانول سنوياً، فليس من الغريب أن تعرقل أمريكا افتتاح مثل هذا المشروع.. لكن ليس من الحكمة أن نعلق كل أخطائنا على شماعة أمريكا، وننسى أو نتناسى إخفاقات إدارة المشروع وعدم جديتها في تعاقداتها ورضوخها المستمر لابتزاز الشركة الاستشارية الهندية، فقد تعاقدت على شراء «جربوكسات وطواحين» وهي تعلم أن هذه الأجهزة لا تعمل بمعزل عن وحدة معالجة مركزية، فكان من الطبيعي أن يتم جلب الأجزاء متكاملة لولا أن هناك ما يمنع تكملة الصفقة لجهة تكسب رُبما جهات بعينها من وراء عملية الشراء، أقول: رُبما!! ثم إن بيع الشركة الهندية لشركة أمريكية تم في العام 2010م ووقتها كانت إدارة المشروع تعلم يقيناً أن المقاطعة سوف تحول بين «الجربوكسات» ونظام تشغيلها، فلماذا لم تتحسب لهذا الأمر طوال العامين الماضيين؟ كما أن إدارة المشروع لم تكن أيضاً بالشفافية المطلوبة، بل كانت تمد وزير الصناعة المهندس عبد الوهاب عثمان ومن قبله عوض الجاز بالمعلومات المضللة، الأمر الذي أدخلهما في كثير من الحرج نسبة لتصريحاتهما المتكررة وتحديدهما لأكثر من موعد لدخول المشروع دائرة الإنتاج، ما دفع عبد الوهاب عثمان لتقديم استقالته متحملاً وزر إخفاقات إدارة المشروع المتكررة.. وحتى لا ننسى، لا بد أن نشير إلى إخفاق إدارة المشروع في تسوية قضية تعويضات المتضررين «قضية الأعوج» من قيام المشروع، حيث ربط البعض تأجيل افتتاح المشروع بشروعهم في عرقلة الاحتفال من خلال تنظيم مظاهرات أو وقفات احتجاجية.. أخيراً أقول: ما من شك أن تأجيل افتتاح المشروع، قد أدخل الدولة في حرج كونها قدمت الدعوة لعدد من ضيوف البلاد من المشاركين في فعاليات الاجتماع السنوي لمجلس محافظي مجموعة البنك الإسلامي للتنمية «جدة» والذي كان سيمثل تشريفهم لهذه التظاهرة دفعاً معنوياً ومادياً، وكان سيشجع على المزيد من الاستثمارات في مجالات مختلفة، لكن يبقى أن نستفيد من التجربة وأن نجعل من هذا الإخفاق سانحة لتطبيق مبدأ المحاسبة، وإعماله على كل من يتهاون أو يفرط في أداء واجبه حتى يكون عبرة لم يعتبر..