«أنا قاعد في منصبي» كلمات أوصد بها وزير الصحة بالخرطوم المثير للجدل مأمون حميدة الباب تمامًا في وجه من يطالبونه بالرحيل!! ومع ذلك تعود بنا كلماته إلى شيء من السخرية والتندر حال تحديد ورسم صفات بعض المسؤول إذ يمكن القول أن يكون من زمرة «المكنكشين» في المنصب، ومن الذين يصمون أذانهم في وجه صيحات المواطن خاصة حال كانت تحمل مطالبات له وعلى وجه السرعة بمغادرة المنصب على الرغم من أن المواطن وفي أحايين كثيرة عندما تجري على لسانه مطالبة مسؤول بالاستقالة يكون قد ساق أسباباً موضوعية في حين أن المسؤول حال تقصيره في توفير مطالب المواطنين فإن مطالبته بالتنحي لا تحتاج أن يصدح بها المواطن. ومع أن عددًا من المسؤولين وهم قلة يفتحون أبواب التحدي على أنفسهم بإعلان مشروط يفضي إلى مغادرة المنصب مثل حميدة الذي رهن بقائه بتنفيذ سياسته إلا إذا رأى الذين وضعوه في الموقع مغادرته حد تعبيره لكن أخرين وفي أحلك الظروف ورغم أن مياها غمرتهم من كل جانب بل كادت تغرقهم يقولون وبالفم المليان «لن نستقيل» في وقت «قد» تكون تلك الاستقالة أنسب الخيارات في لحظتها.. ويأتي في مقدمة تلك الفئة وزير الزراعة د. عبد الحليم إسماعيل المتعافي الذي أكد صراحة أنه لن يستقيل، ولن يكون كبش فداء في قضية فشنك حسب وصفه بسبب ما اعتبره «هراء وكلاماً فارغاً» في بعض الصحف بشأن صراعه مع البرلمان الذي أبدي احترامه له واستعداده للمثول أمامه متى ما طلب منه ذلك، ووصف المتعافي في برنامج حواري بقناة النيل الأزرق أجري معه في أغسطس الماضي تصريحات رئيس لجنة الزراعة بالبرلمان حينذاك يونس الشريف بأنها تكاد تكون قضية شخصية، وإن كان الغرض إقصائه فهو غرض خاسر. وقد تختلف المنطلقات أو الأسباب التي دعت أو ألمحت إلى ضرورة الحجز لمسؤول بعينه مقعدًا وثيرًا على طائرة «الاستقالة» ومن ثم الهبوط في مطار «مفارقة المنصب» مثل مطامع مجموعة في مقعد المسؤول المعني أو عجز المسؤول عن تقديم المفيد أو تضرر مصالح جماعات من استمراره في منصبه؛ فتطلق في هذه الحالة شائعة مثل تأكيد رغبة ذلك المسؤول في مبارحة منصبه ويبرز هنا على سبيل المثال والي البحر الأحمر محمد طاهر أيلا الذي قطع بأنه «لم ولن يستقيل» بل وكأنما أيلا يعرف الهدف من ما أثير حوله عندما نفى الأمر في الهواء الطلق في لقاء حاشد بمدينة سنكات ضمن فعاليات مهرجان سياحي وتراثي، وشَن هجوماً كاسحاً على شخصيات لم يسمها قال إنها تتحرك في المركز، وتبحث عن المناصب والكراسي على حساب الشائعات، في إشارة صريحة إلى تنافس خفي بينه وبين آخرين على منصب الوالي، وقريب من ذلك موقف نظيره بجنوب دارفور حماد إسماعيل الذي أعلن على الملأ عدم تنحيه عن منصبه رغم مرور يومين فقط على توليه شؤون الولاية وقتها بل قام بتأصيل الرفض بالإشارة إلى كفر أناس بالله ورسله الكرام، وكان ذلك على خلفية رغبة البعض في بقاء سلفه لارتباط مصالح كثيرين به حسب ما قال رئيس الجمهورية في لقاء تلفزيوني!! ودعا حماد مواطني الولاية بعدم الالتفات للشائعات وقال في مؤتمر صحفي إنه لن يتقدم باستقالته مهما كان كونه ليس طرفًا في أي صراع سياسي!! لكن في أحايين كثيرة تقلق دعوات المطالبة بالاستقالة المسؤولين حتى في حال عدم وجود ما يبررها باستثناء حالة المتعافي، وقد انتاشت السهام ذات مرة والي شمال دارفور عثمان كِبر في أواخر نوفمبر الماضي، وكاد يجن جنون الرجل الذي عقد مؤتمراً صحفيًا بالخرطوم بذات الخصوص، وإن تم إلباس المؤتمر صفة اللقاء التشاوري بينه وبين نواب ولايته بالمجلس الوطني قطع فيه كِبر بعدم صحة ما وصفها بالاشاعات المروجة بمطالبته بتقديم استقالته من الولاية ومضى إلى «ما في زول قال لي استقيل لا الرئيس البشير ولا علي عثمان ولا نافع». اللافت في تشدد المسؤولين بعدم التنحي هو دفاعهم عن أنفسهم بطريقة تثير الدهشة إن لم يكن الضحك مثل تعليق عثمان كِبر الذي اعتبر أن المسألة لا تعدوا أن تكون حسداً وكأنما أفرغ الرجل معسكرات النازحين، وسقى كل مواطني ولايته ماءً زلالاً!! وقد قال فيما قال «البفتكروا في بيان سيطلع لاستقالتي هذا لا يتعدى أحلام ظلوط» بينما ذهب المتعافي إلى «إن كان الغرض من قضية التقاوي إقصائه فهو غرض خاسر وما فارقة معاه برجع يشتغل في الجزارة زي زمان»!! ومهما يكن من أمر فإن رفض المسؤولين للاستقاله أو مبادرتهم بتقديمها لتفادي أي مزالق مثلما فعل وزير الصناعة فإن العبرة بالإنتاج وبما يقدمه المسؤول من عمل على أرض الواقع وليس على صفحات الصحف أو الشاشات البلورية أو حتى عبر الأثير.