لقد حدث ما كان متوقعاً فقد احتلت قوات عسكرية من دولة جنوب السودان هجليج السودانية الغنية بالنفط، وأكد ذلك الناطق الرسمي للقوات المسلحة السودانية قائلاً إن قواته قد هُزِمت وتراجعت شمالاً. كلام شديد المرارة، وخبر صاعق لكل مواطن غيور على هذا البلد فقد عهدنا قواتنا الباسلة تخوض أعنف المعارك وتخرج منتصرة محافظة بذلك على تراب الوطن ووحدته إلا أن حدثاً شؤماً كله هو نيفاشا قد قلب موازين القوة في المنطقة برمتها إذ أخرج إلى حيز الوجود دولة فاشلة تسمى «جنوب السودان» صارت تناصب السودان العداء وتهدد أمنه ليل نهار غير آبهة بكل المصالح والعلاقات المشتركة والمواثيق المبرمة بين البلدين لأنها إنما تتحرك بموجب مخططات تأتيها من خارج حدودها ويديرها أبالسة العالم من الصهاينة وعملائهم في دوائر المخابرات الغربية والأمريكية الذين يقدِّمون لهم كل الدعم العسكري والمادي وقد وجدوا فيهم عنصراً لا يرعى ذمة ولا عهداً لدولة جارة أو غيرها، ويعينهم في ذلك بعض أبناء جلدتنا للأسف؛ ولكن يجب ألا نلوم إلا أنفسنا فنحن الذين أتحنا لهم هذه الفرصة. يبدو أن الذين وقّعوا نيفاشا لم يطّلعوا على أجندة الحركة الشعبية التي تقول «إن هدف الحركة الشعبية لتحرير السُّودان هو التدمير الكامل للنظام القهرى للسودان القديم وبناء سودان جديد علمانى، ديمقراطى عادل وحر»؛ وإلا لما مضوا إلى نهاية المطاف الذي أفضى إلى خلق هذا الكيان الهمجي الذي ما انفك يعلن عبر وسائل إعلامه بأنه سيحرر كافة أراضي الجنوب من الاستعمار الشمالي مستفيداً من الخطأ الذي ارتكبه قادتنا بعدم ترسيم الحدود قبل الاستفتاء وترك بعض المسائل العالقة دون حسم نهائي. ليس هذا فحسب، بل إن نيفاشا قد تم تسويقها على أنها أعظم إنجاز سياسي في تأريخ السودان الحديث ولكن ها نحن نرى كيف انقلب ذلك الإنجاز وصار مصدراً لزعزعة أمن السودان واستقراره عبر الهجمات المتكررة التي شنها الجيش الشعبي ومن يتحالف معه من التمرد على أجزاء متفرقة من البلاد التي ظلت في غفلة تامة وهي تنتقص من أطرافها.. هذا الموقف يعني أن هنالك سوء تخطيط وعدم تنسيق بين الأجهزة المختصة بالملف العسكري والأمني وإلا لكانت توفرت لديها معلومات عن هذا الهجوم قبل وقوعه وأعدت له العدة اللازمة. يجب أن يكون هذا العدوان نقطة تحول في مسيرة الإنقاذ ونقول للسيد رئيس الجمهورية بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة لا تضع لأمتك حتى تضع الحرب أوزراها وتُرسّم حدود هذه البلاد العزيزة ويعلم كل خائن وغادر أن هذا الشعب لن يخنع وحتى يحكم الله بيننا وبين عدونا.. ونذكر أنفسنا بقول الله تعالى «إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين». فقد تمايزت الصفوف وبات جلياً أن أوباش الجنوب لا يفهمون إلا لغة البندقية ولذلك لابد أن نرد لهم الصاع صاعين ونثخن فيهم خاصة وأنهم يعلمون بأسنا وشدتنا. إن هذه الأحداث تحمل في ثناياها دروساً ومواقف وعبراً، فليتعلم منها قادة السودان وساسته وليعرفوا عدوهم، وما أحرانا اليوم ونحن في صراع عنيد مع الصهيونية الباغية المستكبرة التي وجدت لها وكراً في جوبا وهي تسعى لتدمير أوطاننا وتغتصب أرضنا مستعلية في عدوانها بأسلحتها وأساليبها الخبيثة؛ ما أحرانا ان نستجلب نصر الله و نستدعيه بإصلاح أنفسنا ونظام الحكم في بلادنا. فليست المشكلة أن تصاب الأمة بنكبة لكن المشكلة عدم الاستفادة منها لتحقيق النهضة على أسس من العدل والإنصاف والمحاسبة؛ وأن نعود الى ما يرضي ربنا وننصره في ضمائرنا وأعمالنا فينصرنا كما وعدنا على كل الكائدين والمعتدين. لقد آن الأوان أن نلتفت إلى الجهاد بنوعيه الأصغر بجهاد العدو وإخراجه من حدودنا وجهاد النفس وهو الأكبر وذلك بإعادة النظر في مسار الحكم عبر ما يقارب ثلاثة عقود لنضع أيدينا على مواضع الخلل والإخفاق ونقيّم التجربة من كل جوانبها حتى نضع حداً للفساد وبعض المظاهر السالبة من جهوية وقبلية بغيضة كادت تمزق السودان وتحقق مآرب العدو بأيدينا؛ وإن نحن لم نفعل ذلك فعلينا ألا نطمع في النصر. ومن هنا نعلنها صراحة أننا نقف مع التعبئة العامة التي يجب أن تستهتدف، بين أشياء أخرى، دحر الأعداء وإعادة اللحمة للمجتمع السوداني وإعادة بناء الثقة في أداء الدولة وتوجهها وفي ذات الوقت يجب أن نسعى لوضع برنامج وطني من شأنه أن يُخرج البلاد معافاة من هذه الوهدة. و لذلك لابد من وقف جميع الاتصالات مع أوغاد الجنوب ومن يقف معهم حتى نعلم من هو وطني ومن هو غير ذلك. أخيراً «سيدي الرئيس... لا تفاوض ولا هدنة ولا تنازل... ونريدك أن توجِّه قوتك نحو جوبا أو حتى نمولي أو نيوسايت فالمعركة مع رأس الأفعى أولى من ذَنَبِها». هجليج هي الدرس الأخير لمن يفهم!