لا يمكن تجاوز الطلاب وهم الذين تتجه بهم الأيام نحو المستقبل الذي ينتظرهم لا يمكن تجاوزهم في قضية «الوفاق الوطني».. هذا إذا نظرنا إلى أن المسؤولين في الدولة اليوم والناشطين في الساحة السياسية كانوا بالأمس طلاباً مستقبلهم هو هذا «الحاضر».. الذي نعيشه.. وهذا «الحاضر» ما أقسى مآسيه ومشكلاته على الشعب! وحتى لا يتكرر هذا «الحال المزري» في مستقبل الطلاب، كان لا بد من أن يكون للطلاب صوتاً عالياً ينادي بالدعوة للحوار من أجل الوفاق الوطني.. نعم إن مآسي الماضي والحاضر التي هي الآن بين يدي طلاب الأمس لا نريد استمرارها وامتدادها إلى المستقبل ليرثها طلاب اليوم.. ولعل هذا يحتاج بالطبع إلى جهد وعزيمة وانطلاق من منطلق وطني بعيداً عن العصبيات الحزبية والجهوية والقبلية، وهو ما حدا بمركزيات طلاب الأحزاب والحركات للتنسيق مع أمانة الطلاب بحزب المؤتمر الوطني من أجل معالجة المجتمعات السودانية من النعرات القبلية والجهوية، وجعل الانتماء إلى القبيلة في حدود التميّز لا أن يكون ميزة مع ذلك.. ولكل هذا وذاك جاء ملتقى مركزيات الطلاب الأوّل منطلقاً من حزمة موجهات منها الاعتراف بالآخر وحقه في التعبير عن رأيه بكل حرية وسهولة ويسر دونما إعاقة أو وصايا لأحد على آخر.. ومنها نبذ العنف وإعلاء الحوار والنقاش، ومنها وجود كيان معبر عن مركزيات الطلاب لرعاية الحوار.. وبعد ذلك كانت التوصيات في أطر خمسة محاور جاء في المحور الطلابي بناء طالب ذو تأهيل علمي وسلوك قويم وغرس الروح الوطنية فيه لبناء الوطن.. وجاء في المحور الاجتماعي نبذ العنصرية والجهوية وإعلاء قيم الحوار.. وتوجيه الدعوة لكل أهل السودان للجلوس للحوار. وجاء في المحور السياسي التشديد على أن الحوار والتفاوض هو الخيار الأمثل.. لكن السؤال هو هل سيحصد يا ترى طلاب اليوم ثمار هذا الجهد في مستقبلهم وهم يركزون على الحوار في أجندة ملتقاهم أم سيأتي طلاب الغد ليرددوا من جديد كل هذا؟! طرد الأمريكان وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلنتون كانت قبل شهور قد وصفت الحكومة السودانية بالعنيدة بعد موقف اتخذته الأخيرة في أجواء مفاوضات بأديس أبابا مع الحركة الشعية حول القضايا العالقة والخانقة التي عجزت الإدارة الأمريكية عن حسمها بطريقة ذكية بعد أن حشرت أنفها في الصراع القديم بين الخرطوم والمتمردين.. بعد الانفصال اتهمت كلنتون الخرطوم بأنها تسعى لتقويض حكومة دولة جنوب السودان، أي بغض النظر عن صحة ما تقول أو عدم صحته فإن هذا يعني أن واشنطن راضية عن المشاهد الأمنية والاقتصادية والسياسية في دولة جنوب السودان، واستمراراً للمآسي هناك ضد الشعب الجنوبي فإن واشنطن من خلال هيلاري تبدي حرصاً شديداً على بقاء الحركة الشعبية لا يبقى هناك شيء صالح من شعب أو موارد أو حياة أوبيئة غير النفط.. وإذا كان الناس يقولون أن النفط هو نتاج لتراكم الأموات، كأنما واشنطن يسرها بقاء الحركة الشعبية هناك ليواجه الكثير جداً من سكان الجنوب القتل بصورة يومية بسبب سياسات الحركة في جوبا ثم يتحولوا إلى نفط تستفيد منه القوى الأجنبية في المستقبل.. واشنطن لا يهمها العار المتمثل في أنها تسعى للحفاظ على بقاء حكم الحركة الشعبية دون عملية ديمقراطية، وفي نفس الوقت تتحدث عن ضرورة إسقاط بعض الأنظمة التي لا تقل سوءً عن نظام الحركة الشعبية في جوبا.. وهذا يؤكد أن الأمريكان لا يهمهم شعوب الدول النامية في إفريقيا أوآسيا بقدر ما تهمهم مصلحتهم المنصهرة مع مصلحة الاحتلال اليهودي في فلسطين.. فها هو شعب الجنوب يعاني من استبداد الحركة الشعبية لكن أمريكا راضية كل الرضا عن هذا الاستبداد وأكثر من ذلك تدافع عنه وتتهم الخرطوم بأنها تسعى لنجاة الشعب الجنوبي منه.. الآن الحكومة السودانية تهدد بطرد الأمريكان إذا حاولوا استغلال وجودهم تحت أي غطاء ضد الأمن والاستقرار.. هل تكون الحكومة مخطئة إذا ما أرادت أن تحافظ على أمن البلاد بعد أن أدركت الضرر من الوجود الامريكي؟! هل يقبل أي حزب حاكم محترم وجود لعناصر مضرة بأمن المواطن؟!!