كان «وادي الحيرة» بطبيعته الزراعية والغابية مرتعاً للكثير من الأحياء البرية، كالأسود التي كثيراً ما نجد آثارها حول مخيمنا، أما الثعابين والعقارب وأمثالها فقد اعتدنا وجودها بين أمتعتنا وفي مضاجعنا، ولكننا لم نكن نأبه لها كثيراً بعد أن نتلو أذكارنا اليومية وما بلغنا من أثر عن رسول الله «صلى الله عليه وسلم»، فنحسب أنها كانت حصننا الحصين من كل خلق الله.. كان جمعنا يجتهد في العبادات والأذكار واغتنام الفرص لنيل الأجر، فتجد الناس يتسابقون إلى خدمة بعضهم، ويسارعون إلى التطوع في قوات الاستطلاع، بل ويتنافسون في السهر للحراسة «الديدبانية» الليالي الطويلة، حتى إن الشهيد «نورالدين المنصوري» اشتهر بأنه إذا انتهى دوره في الحراسة لم يوقظ أحداً بعده حتى صلاة الفجر، مما اضطر بعض زملائه أن يشكوه إلى أميرهم، الذي أصدر أمراً عقابياً له أن يكون دوره في الحراسة الأخيرة على الدوام.. هكذا كان حالنا في وادي الحيرة في أيامنا الأولى في كتيبة الشهيد الجيلاني بركات، جلها ذكر وعبادات وترقب، إلى أن جاءت الأوامر بالدخول إلى هجليج مشياً على الأقدام بعد أن وصلت بعض التهديدات للشركات التي تعمل في التنقيب عن البترول، فكان التحدي في اجتياز ثمانية كيلومترات سيراً على الأقدام وأنت تحمل أمتعتك وسلاحك ومع ذلك تحمل جوال سكر أو دقيق أو ماشابه ذلك، لتخوض بحملك هذا مستنقعات يصل ماؤها ووحلها إلى منتصف جسدك، تسبح فيها الأحياء على مقربة منك، بينما ترقبك أخرى من على الأشجار. كان دخولنا إلى هجليج مصدر طمأنينة للشركات العاملة في التنقيب عن البترول، خصوصاً أن المنطقة خلت من السكان المحليين، وهم من قبائل الرحل الرعوية، فهرعت إلى مساعدتنا وسخرت إمكاناتها اللوجستية لنقل معداتنا وتبعناها إلى داخل هجليج.. أصبح معسكر البئر رقم «2» منطقة تضج بالعمل العسكري والتدريبات الإعدادية... نواصل.