كان الوضع في هجليج يختلف كثيراً عن وادي الحيرة، فهنا الأرض خرصانية مستوية «ردمية» تربط كل المنطقة، فعلى مثل ذلك أقيم معسكرنا في موقع البئر رقم «2» مما سهّل علينا نصب خيامنا وصناعة أسرّة يطلق عليها «الدرنقل» من أشجار الغابات المجاورة، وقامت شركات التنقيب بتوفير ماء نقي للشرب، وقد كنا في«وادي الحيرة» نشرب من المستنقعات القريبة ومياه الأمطار.. عندما توفرت هذه الظروف ازدادت وتيرة العبادات حمداً وشكراً على هذه النعم، وتقرُّباً إلى الله المنعم، فقد بدا للجميع أن المولى عز وجل قد هيأ لنا مكاناً للتعبُّد والتقرب إليه، ومن هنا جاءت فكرة الإعداد، أو مشاريع التخرُّج للشهادة الكبرى كما يحلو لنا أن نسميها في مصطلحات المجاهدين. كان قلّما تجد بعضنا يجلسون في مجلس سمر لغير الذكر، وإن كان ففي ما دار من معارك سابقة أو في ذكرى بعض الشهداء السابقين، فليس هناك مجال لتذكر الدنيا وحطامها، وما هي إلا سويعة ويتحول مجال الحديث إلى السيرة أو الفقه والتفسير. ومن الطرائف أن الأمطار كانت لا تكاد تتوقف إلا لتعاود الهطول مرة أخرى لعدة ساعات دون توقف، فإذا بإمام المعسكر يقف بعد الصلاة ويطلب من الجمع أن يقللوا من الاستغفار كي تقل الأمطار، وشرح فقه ذلك، وفسر واجتهد في إقناع محاججيه دون جدوى، فقال عند ذلك «استغفر الله العظيم وأتوب إليه، طيب خلاص كان ماحتنقصوا شوية زيدوا يمكن الزيادة تحلها..» عندها فقط وافقه الجميع.. هكذا كان حالنا، وهكذا كانت النفوس والأرواح تتسامى معاً عن سقط الدنيا لتبلغ مقامات السموق ومنازل الذاكرين، يحدوها حب لهذا الدين والرحمن، وشوق للحبيب المصطفى «صلى الله عليه وسلم» وصحبه الأخيار، وتسكرهم أمنيات اللقاء عند حوضه والشراب من كفه الطاهر. نواصل ...