ثمة اعلام وارقام فارقة في عالم الابداع بمختلف انواعه، فكل مبدع كانت لديه مسيرته الخاصة التي انجز فيها ثم أبدع فسطر التاريخ بذلك اسمه واضحاً في صفحات الابداع، الا ان الانتاج الابداعي قد يختلف كماً ونوعًا، ومن هنا تخرج معادلة جودة الاعمال التي يرى متابعون انها لا ترتبط بعدد الانتاج وانما بالعمل المقنع والمُتقن، فالشاعر ادريس جماع له ديوان واحد صدر تحت عنوان «لحظات باقية» وقد حمل هذا الديوان عصارة فكر الشاعر وأجمل ماكتب في سني عمره حتى وفاته حيث القصائد التي تناغمت بفلسفة روحية حملت الكثير من الالم. ونماذج اخرى ذكرها اهل الشأن، اذن هل يُعرف المبدع بانتاجه الكمي ام النوعي؟ الدكتور ابراهيم اسحق اوضح في حديثه ل«نجوع»: في تاريخ الابداع هنالك عدة مظاهر.. نجد احياناً المبدع المكثر الذي يعرف في التراث بما لديه من الاكثار : فيكتور هوجو، اميل ذولا، ديكنز، وامثالهم. وهنالك طائفة تُعرف بالجيد من اعمالها وهم من المكثرين: تولستوي، دستبسكي، فوكلر، وامثالهم. وهنالك طائفة ثالثة كانوا من المقلين ولكن اعمالهم تميزت عن سواها وانضمت بما يعرف في الفنون العالمية بطبقة الكلاسيكية، أي افضل الاعمال التي رسخت في ذهن الانسانية. كافكا، جويس، شولوخوف، وامثالهم. لقد تكلمت عما اعرف، أي في مجال السرد. واعتقد ان الاجادة اذا كانت من قلة او من كثرة او من الجمع بينهما هو الذي يخلد صاحبه. دكتور الصديق عمر الصديق قال في حديثه ان في السودان مسألة النشر ليست حكماً لأن كبار الشعراء السودانيين لم تُنشر دواوينهم حتى الآن مثل الشاعر عبدالله الشيخ البشير وهو شاعر كبير وحتى الآن لم يصدر ديوانه. اما التيجاني يوسف بشير فلم يخرج له ديوان واحد مُحقق وهذا ما جعله لم ينل المكانة التي يستحقها بالرغم من مكانته العالية. واضاف الصديق: كما ان ديوان الشاعر ادريس جماع «لحظات باقية» غير مُحقق وله مجموعة شعرية اخرى كتبها بالعاميّة ضاعت. على هذا نستطيع ان نقول ان الذي يريد ان يدرس الشعر السوداني عليه الا يعتمد على المطبوع وحده بل ينبغي ان يعمد الى المخطوط والى المجاميع الشعرية الكبرى التي اختار اصحابها بذكاء كبير من المخطوط والمطبوع كالشاعر التني في اختياراته حيث انه اختار شعراً من شعراء لم ينشروا دواوينهم قط. الآن الجيل الجديد من الشعراء ادرك اهمية النشر فصار الشاعر يسعى الى نشر ديوانه وهو في اول الطريق. ودعا دكتور الصديق الى النشر وشجعه معللاً ان النشر هو الذي يخلق التراكم في الابداع، ومن ثمّ تأتي مهمة الدارسين والباحثين والنقاد، وعلى الرغم من ان المنشور الكثير المتكاثف فيه مافيه من الغث الا ان هذا الامر شيء عادي يحدث في كل امة من الأمم ولكن الجمهور المتفوق والنقاد يميزون الخبيث من الطيب. إبداع مع الكثرة الاستاذ الناقد ابو عاقلة ادريس اكد ان بعض المبدعين يتوافر عندهم الابداع مع الكثرة فمثلاً محمد المهدي المجذوب لديه عدد من الدواوين «نار المجاذيب»، «الشرافة والهجرة»، «تلك الاشياء»، «منابر»، «شحاد في الخرطوم»، «اصوات ودخان»، «القسوة في الحليب»، «غارة وغروب»، هذه الكثرة في ابداع المجذوب كواحد من كبار شعراء السودان انما هي كثرة مبدعة، حتى عندما نتأمل له نصاً واحداً مثل قصيدة «جبل الختمية» وقد شارفت على نحو مائة وثمانين بيتاً يحس فيها الدارس الصورة والدهشة والرؤيا وتجميل النفس الطويل فلا اخلال ولا تقصير وانما ابداع تام. ويواصل ابو عاقلة بان هنالك آخرين اعمالهم كثيرة في غيرما فائل، وان المبدع هو الذي يشكل هذه المعادلة. البقاء للعمل الجيد الاستاذ الناقد عز الدين ميرغني اوضح ان هنالك في عالم الابداع من انجز عملاً ابداعياً واحداً واكتفى بذلك وجلب اليه الشهرة والمعرفة مثل «دون كيشوت» لسيركانتيس، وديوان «اشراقة» للتيجاني يوسف بشير، وديوان «لحظات باقية» لجماع، فالعمل الواحد اذا كان رائعاً ومقنعاً قد يجلب لصاحبه المعرفة والشهرة وقد يكفيه طول حياته، وقد يكتب الكاتب عشرات الاعمال ولا تكتب له الخلود ولا الشهرة، وطبعاً قصة واحدة لا تكفي وكذلك لوحة واحدة، الا ان ديوان شعر واحد او رواية واحدة وكذلك مجموعة قصصية قد تكفي ليكون صاحبها قاصاً، شاعراً، او روائياً. ولكن هنالك من يتجدد ويتقدم بعد كل عمل وآخر، ومنهم من يبقى «محلك سر» وفي النهاية يبقى العمل الجيد حتى ولو كان قليلاً.