لاشيء يشغل الساحة في الوقت الراهن بعد استرداد هجليج في العاشر من أبريل الفائت سوى السؤال: ماذا بعد؟ لا سيما وأن مجلس الأمن الدولي بقراراته الأخيرة بدا وكانه يسعى لاختطاف ملف المفاوضات بين الدولتين من الاتحاد الإفريقي، وفي الصدد نفسه جاءت ندوة«مفهوم جريمة العدوان في القانون الدولي.. هجليج حالة» التي عقدها المؤتمر الوطني بالتعاون مع كلية القانون بجامعة النيلين، وقارب الخبير في القانون الدولي أحمد المفتي بين الأحداث الدولية الجارية بعد هجليج واتفاقية نيفاشا، مشيرًا إلى أن كليهما برزا في الأفق بعد الانتصارات العسكرية للجيش السوداني، وأبدى مخاوفه بالإشارة إلى أن مكاسبنا العسكرية تقابلها خسائر في المعارك الأخرى، وفي تمييزه لموازين القوة الدولية قدّم قوة القانون الدولي التي ينبني عليها الرأي العام الدولي، على ماعداها من القوة الاقتصادية ثم العسكرية، على هذه الخلفية دعا لتقدير أهمية القانون الدولي، حتى تتمكن البلاد من أخذ حقوقها، ومن هنا جاء نقده لعنوان الندوة «جريمة عدوان»، بقوله: لو تحدث السودان عن جريمة عدوان فهو قد ضيق واسعا و«حقو راح»، وأشار إلى أننا نبخس من شأن النواحي الفنية، مشيرًا إلى أنهم في حقبة العشرية الأولى للإنقاذ كان جزءاً من نقاشنا مع الأممالمتحدة ينحصر في هل ما يقوم به الجيش السوداني ضرب لأهداف مدنية، أم هو ضرب يؤثر على أهداف مدنية، والفرق كبير، فالأولى تقود لمجلس الأمن بينما الثانية لا تفعل، وفي تفصيله لمفهوم كلمة العدوان في المسار الدولي أوضح أن تعريفه مر بعدة مراحل أولها وقائع الحرب العالمية الأولى أن العدوان يترتب عليه مسؤولية دولية«تقصيرية مترتبة عن العدوان، الإخلال بالعقود والجرائم الناجمة عن أعمال مسلحة»، مشيرًا إلى أن المسؤولية الأولى هي الأكثر ضعفاً، باعتبار أن المسؤولية الدولية تعتمد على أساسين: من كسب الحرب ومن خسر؟ فضلاً عن اعتماد ما يتفق عليه طرفا القضية المعنية، ثانياً، المادة الأولى من ميثاق الأممالمتحدة تتحدث عن أعمال العدوان وليس جريمة دولية. ثالثاً، تعريف محاكمة نورنبيرغ وصفت العدوان كجريمة. رابعاً، تأييد الأممالمتحدة لتعريف نورنبيرغ. خامساً، تأسيس المحكمة الدولية، للنظر في أربع مجموعات من الجرائم: «الإبادة الجماعية، الحرب، العدوان وجرائم ضد الإنسان» وقد طالبت الدول الكبرى بتجميد الجريمة الثالثة لسبعة أعوام، انتهت في يناير2009، ولم يعد النظر فيها حتى الآن، وخلص المفتي إلى عدوان هجليج يرتب مسؤولية على الجنوب، أما فيما يتعلق بشقها الجنائي كجريمة دولية فالأمر موقوف على ما سبقت الإشارة إليه آنفاً، مشيرًا إلى أن الحل موقوف على اتفاق دولتي السودان، وأدان مجلس الأمن في توجهه بمعاقبة الدولتين معاً حال أنهما لم يخضعا لخارطة الطريق الإفريقية، مبيناً أن نهجه مخالف لقوانين الأممالمتحدة. وفي كلمته التي اختصرت على اتفاقيات جنيف الأربع وبروتوكولها الملحق«القانون الدولي لحقوق الإنسان» أوضح الخبير القانوني صلاح معروف أن الاتفاقيات شددت على حماية الإنسان عامة والبئية، والممتلكات، وحظرت الاعتداء على المستشفيات والمنازل والأسواق، وقررت أن أضراراً تصيب تلك الحيثيات أثناء القتال توجب التعويض على الدولة المعتدية. وفي تعقيبه دعا المحامي غازي سليمان للسعي لكسب مؤازرة العالم العربي، وعدم الاعتماد على الصين فهي دولة«براغماتية»، فضلاً عن الاتصال بالمثقفين في دولتي بريطانيا وفرنسا، ومصالحة الشعب بحل الضائقة المعيشية التي يجابهها وخفض المصروفات الحكومية. وفي رده على أسئلة الحضور بدا المفتي وكأنه يناقض نفسه إذ ذهب إلى أن حصيلة اللجؤ للمحافل الدولية عبر القانون صفر كبير، ودعا لبلورة رأي عام في المجتمع الدولي بالظلم الذي وقع على السودان، وأكد أن مجابهة الأزمة تحل بواسطة تبصير الجنوب بأن مصالحها مع السودان وليس غيره، التصالح مع المجتمع السوداني والأحزاب السياسية، والتصالح مع المجتمع الدولي.