ما دخلتَ متجراً أو محلاً تجارياً بالأسواق الرئيسة بولاية الخرطوم لشراء أي من الاحتياجات العادية إلا ولمستَ ارتفاعاً جنونياً ومضاعفاً في أسعار السلع سواءً كانت مواد استهلاكية غذائية أو ملبوسات أو مفروشات أو مواد بناء، والعزاء الوحيد للتجار في مرافعتهم أمام المواطن أن الدولار طار السماء وأثّر بصورة مباشرة في عملية استيراد وتصدير السلع، فإذا كان مبرر هؤلاء التجار في بعض السلع المستوردة من الخارج سليماً، فما هي مبررات الارتفاع الجنوني لأسعار المنتجات المحلية؟.. فهذا الشيء يؤكد عدم وجود الرقابة والفوضى العارمة في الأسواق التي طالت كل شيء حتى أكشاك التعاون التي كانت نتاجاً لأزمة الأسعار الأخيرة تجاوزتها حالة الارتفاع الأخير في الأسعار حيث أن مسألة الغلاء انعكست على الناس في كل شيء في المواصلات وفي صينية الطعام وفي العلاج وشكلت مادة دسمة لونسة النساء في الأفراح والأتراح وحدِّث ولا حرج!! وأشياء أخرى وأخرى وقد حكى لي أحد الإخوان أن ماسح الأحذية حينما سأله عن مضاعفة سعره حدثه «أنت ما سامع الدولار مرتفع». فقد أصبح الدولار شماعة لتجار السوق من ماسح الأحذية وبائع المياه حتى ملاك المصانع ومصدري الماشية وكبار الشركات في البلد، وضاع الجنيه السوداني في هذا الزحام، لكن المهم: ما هي المعالجات التي تعتزم الحكومة اتخاذها بالسرعة المطلوبة لمكافحة غول الغلاء حتى لا يتحوّل بين «ضحية وعِشاها» إلى أزمة سياسية في البلاد، لأن السياسة لا تنفصل عن الوضع الاقتصادي لأي بلد، هذا إن لم يكن الاقتصاد هو الصانع الأول لموجهات السياسة واللاعب الرئيسي في خروج أي مسؤول وصعود الآخر، ما عادت الوعود من المسؤولين الرسميين بأن الوضع هذا سيتغير للأفضل في القريب العاجل تقنع الناس، فالكل يريد أن يعيش اللحظة في حدها الأدنى بعيداً عن المعاناة المستمرة والمتكررة، لابد من البحث عن بدائل عاجلة إن كانت هذه البدائل بإعادة النظر في الميزانية أو عبر أي معالجات إسعافية تعيد الأمور على أقل تقدير لوضعها القريب، وتجعل المواطنين والموظفين معاً في مقدورهم أن يوفروا لقمة العيش اليومية وبعض احتياجاتهم الضرورية كفاتورة العلاج، فهذا الشعب صبر على الحكومة أكثر من صبره على تربية جناه فمن باب أولى إعانته على الحياة الكريمة.