لعل أقوى الحجج لإبطال إفك سلفا كير في شأن هجليج وأبيي ما قاله دكتور فرانسيس دينج مجوك ابن ناظر عموم دينكا نقوك وهو الآن مساعد أمين عام الأممالمتحدة وذلك في ما ألقاه في ندوة عامرة بيوم 13/5/1983م بنادي ضباط قوات الشعب المسلحة بالخرطوم حيث قال بعد اتفاقية أديس ابابا ووضع الدولة غاية اهتماماتها في أمر منطقة أبيي والمناطق السكنية حولها وتجاوبت أنا مع تلك الرغبة الوطنية الصادقة من الدولة وهي تسعى لوضع الإطار القانوني والمستقبلي لأبيي فقدمت دراسة متكاملة وشاملة إلى رئاسة الجمهورية وجماعة من المهتمين بأبيي من حيث تنميتها وخصوصية وضعها التاريخي والجغرافي في إطار مديرية كردفان وكثرت الاجتهادات يومها حول مذكرتي تلك ونشأ بشأنها رأيان فريق استبعد أن يأتي هذا الطرح أصلاً من أحد أبناء أبيي وأن الأمر أعمق وأبعد والشأن كله مقدمة لفصل أبيي عن كردفان ثم رأي آخر تبناه بعض أبناء الجنوب قال ببيع فرانسيس لأبيي وإن دينكا نقوك صاروا ضحية حيث ذهب الفرقاء إلى تلك الاجتهادات المختلفة بينما الذي رميت له أنا ومن معي هو أن تتحول أبيي من منطقة صراع وعداء ولتعود كما كانت عبر تاريخها منطقة إخاء وتفاعل وانصهار اجتماعي ربما تطور إلى ارتباط عرقي لا انفصام له قد يصل إلى الصهر التام في المستقبل البعيد وأن عدم توافر الثقة بين الناس يعتبر أمرًا مؤرقًا للجميع لا بد من تجاوزه أما الذي حدث اليوم من وفاق بين المسيرية ودينكا نقوك يعتبر لقاؤنا هذا أحد ثماره فأرجو أن أقول حوله وأؤكد القول إن الذي هيأ للمثقفين دينكا ومسيرية وهم يناقشون في حرية تامة وإعداد رائع للقاءات لا أبالغ إذا قلت لم أشهده حتى في أرقى المؤتمرات الدولية وأن ممن ارتادوها كثيراً فقد هُيئت أماكن اللقاءات ووفرت أجواء جميلة للنقاش رائعة المستوى وبكامل الحرية ثم كان الطرح من الطرفين حراً لكل الآراء بلا وجل أو انزواء أو تأثير أو ضيق صدر حتى وصلنا إلى ما وصلنا إليه عن قناعة تامة في تمحيص وتقليب صادق لجميع الآراء روعيت فيه مصلحة الوطن العليا ومصلحة المنطقة لذا كان القرار بأن أبيي والمنطقة كلها جزء من مديرية كردفان يعيش عليها في إخاء دينكا نقوك والمسيرية والرزيقات كان قراراً حراً ولم ترسم فيه ولا علامة سيطرة واحدة أو وصاية إبان كل مناقشاتنا وحوارنا مع الإخوة المسؤولين فقد تكلم الجميع في شجاعة متناهية وحرية مطلقة والأمر الذي اتفقنا عليه لم يخرج من خيارين كانا أصلاً هما محور قضية أبيي والمنطقة كلها أولاً الانضمام إلى الجنوب وهو نداء جاء لردود أفعال موضوعية لما كان يجري في الجنوب من مشكلات وقبيلة الدينكا هي كبرى قبائل الجنوب أقول كان الذي يجري بالجنوب يومذاك من مشكلات وراء أصحاب ذلك الرأي وأن وضعية أبيي بالجنوب أفضل مستقبلاً لأصحاب ذلك الرأي ثم كان الرأي الثاني ووقوفي معه قناعة مني منذ البداية وهو أن تبقى أبيي والمنطقة كلها بمديرية كردفان ولاعتبارات كثيرة ومصيرية فالأمر عندي ليس كما يذهب البعض أن أبقى بالجنوب لمجرد شعوري بأني جنوبي فالسودانيون يعتزون بالعروبة والأفريقية معاً وكنت عندما أتحدث عن الزعيم الخالد دينج مجوك لا تغيب عن بالي دوماً حكمته وحنكته البالغة التي جعلته هو وأسلافه يحفظون هذه الموازنة الدقيقة دون أن يشوبها شائب على مر الأيام والسنين وهي موازنة تبقي على العيش بإخاء ومودة بين الدينكا والمسيرية ومن معهما بالمنطقة كلها وقد صعب علينا نحن اليوم رغم تقدم العلم وسمو الحضارات بعد رحيل أولئك الأفذاذ الحفاظ عليها.. أقول إن خيارنا الأخير وهو أن نبقى ضمن كردفان كان هو خيار الحرية التامة وليس خيار البديل الجزئي الذي يتحين صاحبه الفرص المواتية ليتنصل منه لأننا بهذا الخيار ننطلق إلى طموحات أسمى وأرفع ومن الطموحات الضيقة وهو الطموح القومي والذي له في أعناقنا واجب مقدس يفترض الحفظ والصون ثم إننا وبهذا الخيار نرنو أيضاً إلى الطموح الدولي إذ الحياة على ظهر الأرض أصبحت كحياة على ظهر جزيرة صغيرة لذا يبقى واجبنا كأناس يعيشون الحياة المعاصرة وبكل تعقيداتها وتقنيتها ينبغي أن يكون واجباً أكبر وأوسع من إطار المنطقة الضيق هذه قناعة دكتور فرانسيس دينج مجوك فما بال الجاهل سلفا كير والذين يدفعونه من الخلف لتدمير السودان.